لا تكفى التفسيرات الجاهزة لتقديم قراءة حاسمة ونهائية لما يجرى عربيا فى دول الربيع العربى، لأن كل دولة أخذت طريقا يختلف عن غيرها. ولعل ما يجرى فى اليمن أبرز مثال على سقوط النظريات الجاهزة للتفسير، وحتى محاولة قراءة الواقع بما يريده البعض وليس ما يدور على الأرض.
من بين الحكام الذين أطيح بهم فى المنطقة العربية يبقى على عبدالله صالح حالة مختلفة. هرب زين العابدين بن على وغادر تونس بسرعة تاركا الدولة التونسية ومؤسساتها، استقر فى السعودية وارتضى بالأمر الواقع مقتنعا باستحالة عودته إلى السلطة بعد إطاحته.
فى مصر خضع حسنى مبارك وغادر السلطة من دون الكثير من المقاومة، وسار فى قدره، وبقى الحال مختلفا فى ليبيا التى واصل القذافى الصراع رافضا التنحى، حتى حدثت التدخلات الدولية والإقليمية لتسقط السلطة ومعها الدولة.
وفى اليمن بدا المصير مختلفا، حيث قاوم على عبدالله صالح الواقع، ودخل فى صراع انتهى بمحاولة اغتياله، استجار بالسعودية لتنقذه من الشعب اليمنى، وأتاحت له المملكة مقرا آمنا، بعد تعرضه لمحاولة اغتيال، لكنه بقى متمسكا بالعودة، وعندما عاد واصل سعيه لاستعادة السلطة حتى ولو على حساب اليمن نفسها، بل إنه عمل ضد المملكة التى حمته ووفرت له ملاذا آمنا، وساهمت فى عودته لليمن.
هو نفسه على عبدالله صالح الذى يتحالف مع الحوثيين متمسكا بالسلطة أو ساعيا لاقتسامها. مراهنا على إضعاف سلطة الدولة والمؤسسات، ولاعبا على التناقضات العرقية والطائفية والقبلية. وبالتالى فقد انقلب على حلفائه السابقين، مراهنا على عودته هو أو أبنائه للسلطة.
وما يجرى فى اليمن، وما جرى فى تونس ومصر يكشف عن اختلافات واضحة فى مصائر دول الربيع العربى، التى تأخذ كل منها شكل المستقبل من تراكمات التاريخ، ومدى قوة المؤسسات المختلفة التى يمكنها التوصل إلى حلول توافقية، من دون أن تفقد الدولة سيطرتها، لقد بدا وصول الرئيس عبدربه منصور هادى إلى رئاسة اليمن لدى البعض استمرارا لنظام على عبدالله صالح، وذهبت بعض التحليلات إلى ذلك، لكن اتضح خطأ هذه التصورات، مثلما يقع البعض فى أخطاء عندما يلجأون إلى التفسيرات الجاهزة. فقد بدا على عبدالله صالح رقما فى معادلة معقدة، يسعى للسلطة، حتى ولو على حساب وحدة اليمن، ومؤسساته، وينحاز لحل طائفى، سيكون عاملا فى الإطاحة به نهائيا، لأنه يقاوم خريف نظامه، وهو الوحيد الذى يريد مقاومة واقع تخطاه بمراحل.