عقب قراءة التقرير الذى نشرته «اليوم السابع» فى عدد الأحد الماضى بعنوان «قطر تدعى.. هدم الأهرامات وأبو الهول واجب شرعا» أصبت بحيرة كبيرة، سرعان ما تقافزت الأسئلة إلى رأسى: كيف لدولة مثل قطر أن ترعى مثل هذه الفتاوى المخربة؟ وكيف تسمح بنشر مثل هذه الفتاوى فى موقع تابع لوزارة الأوقاف القطرية؟ وهل يعبر هذا الموقع عن وجهة النظر الرسمية أم أن الأمر لا يتعدى كونه اجتهادا فرديا من أحد رجال الدين المقيمين فى قطر؟ وهل يعرف الحكام القطريون بمثل هذه الفتاوى الهدامة أم أنها تصدر من دون علمهم؟
انتظرت أياما لأراقب كيف ستبرر قطر هذه الفتوى الهدامة، فلم تنبس الإدارة القطرية ببنت شفة، ولم يتناول الإعلام القطرى القضية وكأن شيئا لم يكن، الفتوى ثابتة ومن الممكن أن يطلع عليها الناس حتى الآن فى الموقع القطرى، لكن على ما يبدو فإن الأمر محرج للغاية فى الداخل القطرى، فلن تستطيع هذه الدولة أن تبرر جريمتها، ولن تستطيع أن تهرب من المسؤولية عن هذه الجريمة كما تهرب من مسؤولية تطرف قناة الجزيرة، فإذا كان الحكام القطريون يدعون أن قناة الجزيرة تعمل باستقلالية عن الحكام وفقا لما يسمونه «حرية الإعلام» فكيف ستهرب من مسؤولية إصدار الفتاوى المخربة على أحد المواقع التابعة للدولة «رسميا»؟
تبرز المفارقة حينما تعرف أن قطر تنفق سنويا مليارات الدولارات على اقتناء الآثار واللوحات الشهيرة، فمنذ أيام قليلة اقتنصت قطر لوحة للفنان العالمى بول جوجان بـ300 مليون دولار، وقبلها اشترت لوحة أخرى لبول سيزان بـ259 مليون دولار، ناهيك عن آلاف اللوحات الأخرى التى تشتريها قطر سنويا، حتى أصبحت الدوحة سوقا رائجة للفن التشكيلى، خاصة القطع الفنية الأثرية عامة، فيكف تنفق هذه الدولة كل هذه المليارات على الفن، وفى ذات الوقت تنفق مليارات أخرى على من يهدمون الفن ويحرقون المتاحف ويعتبرون أن الأهرامات «قبورا مشرفة» تستحق الهدم، وأن أبوالهول «أصنام بارزة» تستحق الطمس؟
ما يؤكده نشر هذا التقرير المهم هو أن قطر وقعت فى مأزق التناقض العميق أمام العالم، ففى العمق الفكرى لدولة قطر فإنها «وهابية المذهب» متشددة فى تطرفها، بل من الممكن أن نعتبرها واجهة للتطرف، حيث تؤوى على أراضيها آلاف المتطرفين من العالم أجمع، وتساعد بأموالها آلاف التنظيمات الإرهابية الأخرى، كما أن أكبر مساجدها يحمل اسم «محمد بن عبدالوهاب» مؤسس الدعوة الوهابية، وليس تنظيم «داعش» وأخواته إلا تجسيدا حيا لهذا المذهب الهدام، لكن من يتأمل الصورة فسيجد أن هذا المذهب ليس إلا مطية تريد قطر من خلالها أن تعمق علاقتها بالتنظيمات الإرهابية لتجد لها موضع قدم فى خارطة التأثير العالمى، ومن يتأمل أكثر، فسيعرف أن قطر «تلعب بالنار» وأنها ستكتوى قريبا بهذه النيران، تماما مثلما آوى الرئيس السادات الإرهابيين ورعاهم، فكانت نهايته على أيديهم.