تُدنى ابنك من قلبك فتتذكر الحديث القدسى «يا ابن آدم لا تسعنى السموات والأرض، ويسعنى قلب عبدى المؤمن»، ولا يرتاح الابن إلا بجوار القلب، وإن كان الله قد كرّم بنى آدم وحمله فى البر والبحر، فمن المؤكد أنه- جل وعلا- كرّم القلب وجعله فى منزلة قدس الأقداس.
والآن يقف ابنك على باب المعبد، يريد أن يدخل إلى حيث يظن أنه أتى، وكأنه يريد أن يقول إنه حيثما يحل الله يحل، وإنه لا يرتاح إلى بالقرب من البراح.
تبحث عن الصلة بين الابن والله، تعود فتتذكر أن الأبناء هم معجزة الله الأبدية التى تتكرر كل يوم دون أن ننتبه، كان الابن جنينًا، ولم يكن يسمع من أصوات الدنيا سوى صوت القلب، سر الحياة، بل الحياة ذاتها.
لم نسأل أنفسنا لمَ نحب أن يربت الناس على أكتافنا، ولم نسأل أيضًا كيف تستطيع «الطبطبة» أن تحولك فى لحظة من ثور هائج إلى حمل وديع، أدمنا «الطبطبة» دون أن نعرف أن سحرها هذا لم يكن لولا أنها تحاكى فعل القلب مع الجنين فى بطن أمه، تتحول يدك إلى قلب صغير يدق على أبواب روحه الناشئة، دقة بعد دقة، يتشقق قناع الخوف القاسى، دقة بعد دقة، يبتهج الوليد ويفرح، تتحول صرخاته إلى ضحكات، وتعبيرات الضيق والألم إلى غنج محبب، تذكره بالأيام الخوالى، وقت أن كان ملكًا متوجًا فى ملكوت خاص، وتزيد طمأنينتك حينما يربت هو الآخر على قلبك بحركات يديه التى تعرف أنها لا إرادية، لكن متى سأل الظمآن عند قصد المطر.
هنا إيقاع أول، وربما كان الأخير، أبو الإيقاعات فى جوفك يصيح، قلبك يعلن عن وجوده فلا يسمعه سوى هذا المبعوث من لدن الله، به يلتصق فتكاد تشعر أنكما كيان واحد، يتقلب حتى يصير الصوت أوضح، مدفوع بشوق أسطورى إلى حيث كان وسمع، يجره الحنين إلى حياته الأولى، وفى البعد عنه التياع وصبر.
فى جوف الابن حنين إلى عالمه الأول، لا يستعيض عنه سوى بالاقتراب من قلب دافئ، يصرخ فتقربه إليك، يجوع فتقربه إليك، يبكى فتقربه إليك، فى الاقتراب دواء وداء، تريد له أن يعرف أنه صار إنسانًا فردًا، وأنه سيعانى من هذا الفراق إلى الأبد، وأنه سيصبح مثل الناى الذى قال عنه المتصوف الكبير جلال الدين الرومى إنه يئن هذا الأنين الشجى حزنًا على فراقه لغصنه الأول، لكنك تشفق على هذا الصغير الضعيف وتقربه إليك، فتصبح أنت الناى الذى يئن فتداوى أنينك بالاقتراب من غصنك البكاء.
من كتاب «ابنى يعلمنى» يصدر قريبًا.