يحلو لنا أن نقول إن الأطفال مثل الصفحة البيضاء، لكن على ما يبدو أننا لم نفكر يوما فى ما يجب أن يتشكل فى هذه الصفحة، نترك أطفالنا للعبث والعشوائية والقبح ثم نعود ونبكى على اللبن المسكوب، أو بالأصح على المستقبل المنهوب، نترك أطفالنا نهبا للثقافات الدخيلة والأغراض المشبوهة والتدين الظاهرى المقيت، ثم نعود ونسأل كيف انمحت هويتهم وانطمست إنسانيتهم وأصبحوا جنودا للتطرف؟ نترك أطفالنا للشوارع المهملة والمدارس الخربة والبيوت المهلهلة ثم نندهش حينما يطلع الجيل بعد الجيل لا يؤمن إلا بالعبث، ولا يخلص إلا للفهلوة ولا يقدر إلا «السبوبة» حتى لو اكتوى هو بنيران هذه «السبوبة»، نترك أطفالنا للغياب، ثم نندهش حينما ينادى الوطن فلا يسمع أحد نداءه، والأقسى من هذا هو أننا لم نفكر بشكل علمى فى حل هذه المشكلة، ولم نسع إلى علاجها لا على المستوى القريب ولا على المستوى البعيد.
نريد أن نعمق شعور أطفالنا بهويتهم، وأن نجعل كل طفل فى مصر قطعة من الوطن حتى نحقق مقولة «إن مصر وطن يعيش فينا»، لكن تقف إرادتنا عند «القول» ولم نتخط هذا الحاجز أبدا إلى «الفعل»، ودون أن نقع فى فخ جلد الذات من دون تقديم المقترحات، أتقدم هنا إلى وزارة التربية والتعليم باقتراح بسيط فى تكلفته عميق فى تأثيره، وهو أن تبدأ الوزارة مشروعا لتحديث مناهج التعليم بما يدعم شعورنا بالهوية بالشكل الذى يجعل أطفالنا حصنا أمام الهجمات الدخيلة التى يتعرضون إليها كل يوم، فقد يدرس تلاميذنا لمحة عن التاريخ الفرعونى أو القبطى أو الإسلامى أو الحديث، لكن يظل التاريخ غير قادر بمفرده على التوغل إلى وجدان الأطفال، إذ ينساه الطفل بمجرد عبوره للامتحان، فماذا نفعل؟
أقترح هنا أن يدرس أبناؤنا كلا من الأدب والفن المصريين فى كل المراحل التعليمية، فقد يدخل أطفالنا مدارسنا ويخرجون منها وهم لا يعرفون شيئا عن الأدب الفرعونى، أو الأدب القبطى، ومن المؤكد أيضا أن أطفالنا يدخلون المدارس ويخرجون منها دون أن يعلموا شيئا عن الفن المصرى القديم أو الفن القبطى أو حتى الفرق بين الفن المملوكى والفن العثمانى، فالأدب الذى يتعلمه أطفالنا فى المدارس يبدأ من العصر الجاهلى وينتهى عند الأدب الحديث، وكأن مصر الفرعونية لم يكن بها أدب أو حياة، والفن الذى يتعلمه أطفالنا فى المدارس لا يتعدى «حصة الرسم» التى يعتبرها التلاميذ فرصة لدخول الحمام والاستراحة من بقية اليوم الدراسى، ما يجعل تدريس مادتى «تاريخ الأدب المصرى» و«تاريخ الفن المصرى» منذ العصر الفرعونى وحتى العصر الحديث ضرورة حتمية.