نتحمس وننفعل ونحتشد ثم ننسى لنواجه حقيقة أن إيماننا بالشىء هو إيمان لحظى، وكأن النسيان هو المنهج الذى لا نعرف غيره ولا نخرج عن نصه، وصدق نجيب محفوظ، آفة حارتنا النسيان، نحن حقا شعب بلا ذاكرة فكل شىء يتوهج ثم يخفت ثم يذهب مع ريح النسيان فى رحلة بلا عودة ولهذا فدائما نتساءل:
أين ذهبت روح 25 يناير وأين ذهبت روح ومشاعر وإرادة 30 يونيو؟
لو لم نكن أوفياء للنسيان لما كنا نسينا أن الإخوان جماعة محظورة والعنف منهجها ونهجها، والوطنية لديهم ممنوعة من الصرف ولا محل لها من الإعراب، بينما كانت أهدافهم هى السلطة وتحويل مصر إلى إمارة وطمس هويتها وتغيير خريطتها.. كانو عليها ولم يكونوا أبدا لها، ورغم التاريخ الناطق بجرائمهم ونوازعهم، فإنهم عندما خرجوا بحثا عن «غنيمة» 25 يناير صدقنا أنهم مصريون ونسينا كل شىء، وجعلناهم شركاء ولم نكتف بهذا القدر، بل قمنا بانتخابهم بحماس وبلا ذاكرة.
وأوجدنا لهم المبررات وصدقنا أن نواياهم خير، وجعلناهم حاكمين لنا وعلينا ثم استفقنا من الغيبوبة لنواجه ابتلاء الإرهاب بكل أشكاله هذا ما جناه علينا النسيان.
المصالحة التى يدعو لها البعض الآن على استحياء أو يجاهر بها البعض الآخر باعتباره حلا وحقا.
هى أحد أعراض مرض النسيان المزمن الذى نعانى منه أية مصالحة ومع من؟
رموز مبارك والفاسدين ومنهم من عاد ليبيع الوهم فوجد من يصدقه ويصفق له ويا دار ما دخلك فساد ولا شر ويا ذاكرة تنام وتصحو على نسيان.
حتى مبارك نفسه نسينا له السيئ ونسينا له الجيد، البسطاء من الناس الذين أصابهم الفقر والجهل والمرض ما زال البعض منهم يصر بحماس وانفعال آسفين يا ريس والتعاطف معه إنسانيا، يؤكد نوعية الذاكرة، وإنما أسقطت سيئاته واحتفظت فقط بإنجازاته، وعلى النقيض هناك من يعتبره شرا مطلقا منزوع الإنجازات، وهذه الذاكرة وتلك على خطأ.
وحكومتنا سواء كانت رشيدة أو ابتلينا بها غير رشيدة وغير مدركة، وأيا ما كانت هذه الحكومة فهى تجيد التعامل مع ذاكرة المصريين، فتأتى الوعود بإعلان حماسى كامل الدسم، ثم تهدأ وتخفت وتسقط بسقوطها من الذاكرة وتبرق وعود أخرى وليصيبها نفس الدورة السابقة لوعود ماتت أو كأنها لم تكن ولم توجد.
وفى السياسة كما الفن كما الملاعب نحن شعب يتحمس ويعشق ثم يلعن ويسب ويقذف، ففى لحظة يهتف وفى موقف آخر وبنفس الحماس تقوم بالاغتيال المعنوى لنجم كان يصفق له ويؤمن به بالأمس القريب.
وفى السياسة قام أهلها بتأصيل نظرية النسيان، فكل عصر يكون مشروعه طمس هوية العصر الذى يسبقه، ففى العصر الجديث وبعد ثورة يوليو حذفت صور الملك فاروق، وكان هناك أداء ممنهج أن هذا العصر هو العصر البائد.
وعندما مات عبدالناصر وهو زعيم العرب كانت هناك حملة مستعرة بعد عامين فقط لمحوه من الذاكرة، وأيام حسنى مبارك كان ذكر عبدالناصر والسادات رجسا من عمل الشيطان.
النسيان آفة كبرى، لأن الذاكرة هى البناء الذى ترتكز عليه فى الحاضر لنبنى على الماضى وينسج المستقبل من خلالهما.
الذاكرة هى الحضارة، لأنها تكتب تاريخ الأمة كاملا دون حذف أجزاء أو شخصيات، والذاكرة هى الدروس المحفوظة والعبر التى نتعلم منها.
الذاكرة اليقظة وقاية وانتبا، فذاكرة، وإن كانت قليلة، تمنع بلاوى وشرورا كثيرة.
تم أضافة تعليقك سوف يظهر بعد المراجعة