قالت لى أمى -الكاتبة صافى ناز كاظم- فى فزع شديد، وقد وصل ضغط الدم لديها إلى 190/100: داعش جاية.. بيحرقوا الكتب.. بيحرقوا الكتب يا نوارة.. وإحنا حنعمل إيه دلوقت؟
حاولت تهدئتها: إن شاء الله مش جايين يا ماما ما تخافيش.. لكنها ظلت على انفعالها وقد بلغ قلقى على صحتها منتهاه: لا جايين.. جايين.. بيحرقوا الكتب.. دول حرقوا كتب مهمة قوى فى العراق.. إحنا حنعمل إيه إحنا دلوقت؟
- ياماما اهدى.. حضرتك محسسانى إنهم طالعين فى الأسانسير.. مش جايين إن شاء الله.. ثم لم أجد وسيلة لتهدئتها ومحاولة إخفاض ضغطها إلا بالوسيلة الآتية: يا ماما مش حضرتك كنت شوفتى رؤيا إنهم حيحاولوا يخشوا مصر ومش حيعرفوا وحنطردهم؟
هنا بدا عليها هدوء نسبى وتنفست: آه.. شوفت كده.
- طيب خلاص ما تخافيش بقى.. اشربى الكركديه وخدى الدوا وما تخافيش..
- حاضر.
هذه أمى، الكاتبة الصحفية الكبيرة، التى قاست من الأهوال ما ينوء بحمله أعتى الرجال، من سجن وتشريد وتغريب ومنع وفصل وقطع أرزاق وافتراءات وبهتان وخوض، كما أنها تنتمى إلى جيل شهد الهزيمة بعينى رأسه، وحضر أيلول الأسود، ومر بكل ما تتخيله من انتكاسات، وقد جابهت أمى الحياة الصعبة بثبات وصبر. كما إن أمى شخص شجاع جدًا، حتى إنها كانت تعلم بوجودى، وأنا ابنتها الوحيدة، فى مرمى الأخطار أثناء قيام الشعب بـ"المرحومة" الثورة، وكانت تسمع من شرفتها صوت الرصاص والقنابل وهى تعلم إن ابنتها فى خضم هذه الأحداث، ومع ذلك كانت تتصل بى لتقول: اثبتى يا نوارة ما تخافيش.
هذه السيدة التى لم تحيا حياة هانئة آمنة رغدة، ولم تسر يومًا بجوار الحائط، وطالما دقت طبول المصائب على رأسها، لم أرها يومًا فى هذه الحالة من الفزع التى رأيتها عليها بسبب تخوفاتها من إمكانية دخول داعش، التى تقتل وتسبى وتحرق، إلى مصر، فما بالك بمواطن عادى، عامى، لم يدخل قسم شرطة فى يوم، ولم يعرف من الطريق سوى الشارع المؤدى إلى عمله، والشارع المؤدى لبيت حماته؟
تابعت بمنتهى التأثر حملة السخرية المرة التى شنها المصريون على أنشودة "صليل الصوارم" الداعشية. الحقيقة إن ما حدث مع أنشودة صليل الصوارم، والذى تبع فيديوهات داعش التى تصور الذبح والحرق والتهديد والوعيد، هو طريقة مصرية متفردة فى هزيمة الخوف. الناس خائفة حقًا، لكنها تحاول تحدى خوفها بالسخرية. مما لا شك فيه إن تنظيم الدولة الإسلامية يحيط به الغموض من عدة جهات: التنظيم، المال الذى لا ينفد، السلاح المتطور الموجود فى أيديهم بوفرة، "الغزوات" المصورة والتى لا يبدو فيها أدنى مقاومة من الضحية، كل ذلك يثير التساؤل، لكن تنظيم الدولة الإسلامية يرغب فى أن يعلو صوت الخوف على صوت السؤال: ما هذا بحق الله؟ والحقيقة إن داعش بالفعل تمكنت من بث الخوف... إحنا بنى آدمين برضه.. ناس بتكبر وتدبح وتعلق الروس على الجثث.. فى إيه يا جدعان؟
"احنا حنعمل إيه دلوقت"؟ السؤال الذى طرحته أمى، ربما لا يعرف جميعنا، أو على الأقل كلنا، إجابته، لكن الإجابة المصرية الشعبية جاءت فى أحد الأفراح بمحافظة المنوفية، والتى استخدمت "صليل الصوارم" فى الزفة، وتبعها أغنية تقول: طب عمو حمادة عنده بطة بتعمل كدهوووووو.
بقول آخر، قال لهم المصريون: عبوكو كلكو.. سنتزوج، ونرقص، ونحيا، برغم محاولاتكم لإرعابنا، وسلبنا حق الحياة والمتعة. ولم أجد فى حياتى بلاغة مثل هذه: أشخاص يقولون لك: سنقتلك، ونحرقك، ونسبى نساءك، ونغتال تاريخ أمتك. فإذا بك تقول لهم: طب عمو حمادة عنده بطة بتعمل كدهوووووو.
أنا لو مكان داعش اعتزل وأبيع سبح.
تم أضافة تعليقك سوف يظهر بعد المراجعة