أجمل الفضائل هى تلك التى ترتكبها وأنت تتغزل فى نساء مصر.. هن القويات فى وجه السلطة، تحمل أكتافهن عوائل وأسرا لا تجد من ينفق عليها سوى زوجة أو أم أخت كبرى، هن الجبال فى وجه توحشك وتحرشك، وهن الصابرات على افتراءات شيوخك ورجال دينك.
وآخر كلام الفقرة السابقة تحديدا لنا معه وقفة..
يقول الشيخ أبو إسحاق الحوينى ومن قبله زملاء دربه من شيوخ التيار السلفى المتشدد، إن صوت المرأة عورة، وبكوا وصرخوا وأفتوا وحرموا فكرة خروج المرأة للعلم أو العمل أو التظاهر، بل تشفى بعضهم فى نساء المظاهرات والسياسة، حينما سحلن وضربن بعصا الأمن.
بوجه أكثر دقة قال الشيخ الحوينى ووصل بقسوة قوله إلى قمة إنكار المرأة واحتقارها إن ظهور النساء على الفضائيات فتنة حتى ولو كن منتقبات، وحتى ولو كان هدفهن الدعوة وتعليم الناس القرآن، لأنه لا حاجة لنا بظهور النساء كمعلمات، وفى الرجال من هو أعلم منهن.
بناء على ما سبق تقول أغلب الآراء، خاصة النسوية منها، أن الإسلام هو سبب تراجع دور المرأة وتخلف نظرة المجتمع إليها، والرد على ذلك يطول شرحه، وطالما تقدم البعض لنقده وتفسيره، ويمكننا فى هذا المجال أن ننقل إليكم بعض مما قاله السيخاوى فى كتابه «الضوء اللامع»، مؤكدا فى أوراقه على أن كثيرا من فقهاء عصر المماليك سمعوا من بعض السيدات الشهيرات اللائى أجازت لهم. وتزاحم طلبة العلم على أنس بنت عبدالكريم، وضمن فى كتابه هذا جزءاً كاملاً فيه ما يزيد على الألف ترجمة «سيرة ذاتية» لنساء عشن فى القرن التاسع الهجرى، وأخذ عنهن الفقهاء والعلماء الرجال العلم، السخاوى نفسه أخذ العلم عن السيدة موز ابنة ست الركاب بنت محمد بن حجر العسقلانى الذى أخذ هو العلم بدوره عن عدد آخر من النساء اشتهرن فى ذلك الوقت بالفقه والورع، وهو نفس ما تكرر مع ابن القيم الذى أخذ العلم عن كريمة عبدالوهاب القرشية، وأم عبدالكريم فاطمة سعد الأنصارى، وخديجة أحمد محمد الأصبهانى، مثلما حدث مع الشيخ الفقيه الحافظ المنذرى الذى أخذ العلم عن السيدة صفاء العيش عبدالله الأشرفية الخمرية، وأم مفتوح بنت إبراهيم الشامية المصرية.
وقد تكرر ذكر العلماء الأعلام لعديد من النساء العالمات اللائى تلقوا على أيديهن، أو أنهن أجزنهم فى علم من العلوم، فتكررت لديهم عبارات: «أخبرتنا فلانة» أو «سمعنا من فلانة» وكان من هؤلاء الخطيب البغدادى، والحافظ ابن عساكر، وابن حجر، وتقى الدين الفاسى، وغيرهم من العلماء الذين افتخروا بذلك وكرروا ذكرهن فى مسانيدهم، ويكفينا أن نشير إلى فاطمة بنت عباس شيخة رباط البغدادية، التى لقبها المؤرخ المقريزى «بسيدة نساء زمانها»، وذكر أنها كانت فقيهة وافرة العلم. وبعيدا عن العلم والفقه يمكن التأكد من مكانة المرأة الحقيقية فى مصر القديمة من الوصف الذى صاغه المؤرخ محمد ابن الحاج فى كتبه، حينما أشار إلى أن النساء كن صاحبة الحظ الأكبر من الفخر والثناء والتعظيم فى مصر المملوكية والأقطار الإسلامية، بدليل وجود ألقاب متعددة، مثل ست التجار، ست العلماء، ست الفقهاء، ست القضاة، ست الناس، ست الأهل، ست الملوك، ست الخطباء، ست العرب.
مشاركة
اضف تعليقاً واقرأ تعليقات القراء
مشاركة
لا توجد تعليقات على الخبر
تم أضافة تعليقك سوف يظهر بعد المراجعة