الله تعالى يأمرنا بالعمل والسعى فى الأرض طلبًا للرزق الحلال، يقول جل شأنه: (هو الذى خلق لكم ما فى الأرض جميعًا)، ويقول سبحانه: (وسخر لكم ما فى السموات وما فى الأرض جميعا منه). ويقول جل وعلا: (هو الذى جعل لكم الأرض ذلولا فامشوا فى مناكبها وكلوا من رزقه)، ويقول تبارك وتعالى (وهو الذى سخر البحر لتأكلوا منه لحما طريا وتستخرجوا منه حلية تلبسونها، وترى الفلك مواخر فيه ولتبتغوا من فضله). وتفيد هذه الآيات أن جميع جنبات الأرض متسعًا للعباد، وأن الرزق موجود فى كل مكان، فى السموات وفى الأرض، فى البر وفى البحر، وأن الله جعل كل شىء مسخرًا لخدمتك، ولم يقصر نشاطك على ميدان خاص، ولم يحبسك فى دائرة ضيقة لا تسع طموحك وآمالك وفكرك وكفاحك، وهو لا يرضى لك القصور والعجز، ولا يحب أن تكون قادرًا على الكمال ثم تحجم وتقعد، يقول النبى صلى الله عليه وسلم: (احرص على ما ينفعك واستعن بالله ولا تعجز). هذا هو الميدان الواسع الذى جعله الله مسرحًا لنشاطك فاضرب فى جنبات الأرض، وجل بقوتك وفكرك وجميع طاقاتك فى هذه الرحاب الواسعة، وافهم حكمة الله فى إطلاقه حين أمرك بالعمل حيث يقول: (وقل اعملوا فسيرى الله عملكم ورسوله والمؤمنون، وستردون إلى عالم الغيب والشهادة فينبئكم بما كنتم تعملون). والعمل الصالح هو ما استحسنته العقول السليمة ووافقت عليه الشريعة فمجال العمل واسع وميادينه متعددة.. ألا فليعمل العاملون. وليس المراد بالعمل- كما ترى- نوعًا معينًا، ولا ناحية خاصة منه، بل المراد به كل نشاط فكرى أو بدنى، زراعى أو صناعى أو تجارى، أو ما شاكل ذلك من كل ما تحتاج إليه المجموعة البشرية، على شريطة أن يكون هذا النشاط مشروعًا، يقصد منه الخير للفرد والمجتمع، ويسير فى الطريق الذى رسمه الدين. والله تعالى لا يرضيه من العبد أن ينقطع للعبادة والتبتل، فلا رهبانية فى الإسلام، بل أمره أن ينتشر فى الأرض لطلب الرزق إذا فرغ من صلاته.
ويذكر لنا أن الله سيحاسب الإنسان على صحته وعمره وماله وعلمه، كيف استغل ذلك فى حياته، فيقول: (لا تزول قدما عبد حتى يسأل عن أربع: عن عمره فيم أفناه، وعن شبابه فيم أبلاه، وعن علمه ماذا عمل به، وعن ماله من أين اكتسبه وفيم أنفقه؟). ويحارب عمر بن الخطاب- رضى الله عنه- التسول ، فيعزر المتسولين ويصادر ما جمعوه، وينفقه فى المصالح العامة للدولة. وكلنا نعرف قولة عمر المشهورة (لا يقعد أحدكم عن طلب الرزق وهو يقول: اللهم ارزقنى، وقد علم أن السماء لا تمطر ذهبا ولا فضة).
ولم يكتف الإسلام بحمل الناس على العمل فحسب، ولكنه أمر أن يكون سعيهم إلى الخير سعيًا حثيثًا فى همة ونشاط وصبر ومصابرة وانتهاز للفرص. ولعل هذا هو ما يشير اليه قول الله تعالى: (يا أيها الإنسان إنك كادح إلى ربك كدحا فملاقيه). والكدح هو المبالغة فى العمل وبذل الجهد فيه.
ومن النشاط المحمود المبكور واغتنام الساعات الأولى من النهار فى العمل، يقول النبى صلى الله عليه وسلم: (باكروا الغدو (أى الصباح) فى طلب الرزق، فإن الغدو بركة ونجاح). ويقول: (اللهم بارك لأمتى فى بكورها). فاطلب الخير يا أخى لنفسك ولأمتك بسعيك وجدك، ولا تستمرئ الكسل والتقاعد، فالعمل والنشاط يجلبان لبدنك نعمة الصحة، ولعقلك الحدة والفطنة.. ولله در أحد حكماء العرب الأقدمين حين قال: ما يسرنى أنى مكفى الرزق فى الدنيا، فقيل له: ولم؟ فقال: لأنى أكره عادة العجز.
ورقة وقلم - أرشيفية
مشاركة
اضف تعليقاً واقرأ تعليقات القراء
مشاركة
لا توجد تعليقات على الخبر
تم أضافة تعليقك سوف يظهر بعد المراجعة