كان الله فى عون الرئيس عبدالفتاح السيسى، فما أقسى أن يجد الإنسان نفسه مضطرا طوال الوقت إلى اتخاذ قرارات مصيرية لا مهرب منها ولا بديل عنها! وما أقسى أن يجد الإنسان نفسه مجبرا طوال الوقت على المضى قدما من دون لحظة يلتقط فيها أنفاسه أو ينظر وراءه! فمعروف أن لكل حرب خسائر ومكاسب، فما هى مكاسبنا من خوض معركة حرب اليمن وما هى الخسائر؟
سألت نفسى هذا السؤال بعد أن تأزم الموقف بين السعودية وروسيا، وبعد استماعى لكلمة الأمير سعود الفيصل، وزير خارجية السعودية، تعليقا على رسالة الرئيس الروسى «فلاديمير بوتين» التى بعث بها إلى القمة العربية، فالفيصل لا يرى فى بوتين إلا راعيا «للهلال الشيعى» الذى يضمن بشار الأسد صاحب العداء التاريخى مع المملكة العربية السعودية وإيران وحزب الله، بينما بوتين بالنسبة إلينا حليف استراتيجى لجأنا إلى التعاون معه بعد أن أوصد العالم أبوابه فى وجوهنا، ويجب علينا ألا نتجاهل «راعى الهلال الشيعى» فنفقد حليفنا، كما يجب علينا ألا نتخلى عن السعودية «زعيمة التكتل السنى» فى حربها ضد الحوثيين فننسحب من خارطة المنطقة ونفقد دورنا فى صياغة المستقبل، فكيف يكون المفر؟
المربك فى المشهد هو أن مكاسبنا من هذه الحرب «محدودة»، ذلك إن لم تكن «معدومة»، فنحن لا نستطيع أن نلقى بثقلنا مع الروس، فنخسر كل شىء، ولا نستطيع أيضا أن نلقى بثقلنا مع السعودية، خاصة أنه لا يخفى على أحد أن العلاقات المصرية السعودية فقدت الكثير من دفئها العاطفى بعد وفاة الملك عبدالله، ولذلك تحولت كل الحلول إلى «كوابيس»، والقرارات إلى خناجر.
المربك أيضا فى المشهد هو أننا لا نستطيع أيضا أن نتجاهل معاناة الشعب اليمنى الحبيب وسط هذه الحروب الطاحنة، واستراتيجيًّا لا نستطيع أن نترك مضيق باب المندب ألعوبة فى يد الغير، خاصة أن هذا «الغير» يتبع إملاءات «إيرانية» ذات أهداف توسعية تهدد كلا من السعودية والبحرين والإمارات، وتحتفظ بامتداداتها التاريخية فى لبنان وسوريا والعراق، وإذا استتب لها الأمر فى اليمن فبذلك تكون قد أحكمت الطوق على الخليج العربى بأكمله، وإذا أضفنا إلى هذا ما يحيط بنا من أخطار قادمة وليبيا والسودان والصومال ومن قبل الجميع ومن بعده إسرائيل سندرك صعوبة الاختيارات والقرارات.
لا مفر إذن من الدخول فى حرب اليمن، انتصارا للشعب اليمنى الحبيب، وحفاظا على عمقنا الاستراتيجى ودورنا الإقليمى، لكن ما يجب ألا ننساه هو أننا لا نخوض حربا «مذهبية» فمصر عبر تاريخها الممتد «دولة مؤسسات» تحمل رسالة تنويرية تحديثية للعالم العربى، ويجب على القيادة السياسية ألا تنسى ما اجتهدنا عمرًا فى الوصول إليه تحت ضغط «توازنات اللحظة».