سؤال كثيرًا ما أقابله من الشباب، وأجد نفسى حائرًا.. أعرف أن الحيرة تظهر على وجهى، فبسرعة أقول دائمًا هناك أمل.. أتابع ولع الشباب على صفحات الميديا بمصر زمان.. تبدو صور الفترة الملكية فى مصر هى دائمًا الأجمل والأكثر فتنة، سواء فيما يخص الشوارع أو الحدائق أو المبانى أو الملابس، وكثيرًا ما تكون الإعلانات لها نصيب كبير فى الإعجاب، خاصة إعلانات الأفلام والمشروبات، خاصة السجائر والبيرة، مشروب العائلة المفضل، كما كانت تقول معظم الإعلانات!
والذين يبدون إعجابهم بهذا كله يتضح أن إعجابهم الحقيقى هو بالحريات الشخصية.. طبعًا من ينظر إلى حالنا الآن مقارنة بحالنا زمان، خاصة فى الصحة والتعليم والطرق والحدائق والمبانى، سيصبه الصمت من جراء الكدر. ويثور فى ذهنى سؤال: هذه الحكومة أو هذا النظام وقبله ومن قبل الذى قبله لماذا دائمًا لا ينظر فى هذه الصور ويعرف ما الميزات فى النظام السياسى القديم التى جعلت الأرض عليها كل هذا الجمال؟.. طبعًا البعض يهاجم هذه النوستالجيا قائلًا إن عصر الملكية كان رغم ذلك عصر الفقر والحفاء، لكن سرعان ما يأتى الرد من الآخرين وهل نحن فى عصر الغنى؟.. قارن بين نسبة الفقراء زمان ونسبته الآن، قارن بين نسبة الأمية زمان ونسبتها الآن، وهكذا تجد نفسك فى النهاية أمام حالة من النوستالجيا الجميلة، وحالة من السخط على ما نحن فيه.. نوستالجيا ليس سببها أن الشباب عاشوا هذه الأيام وهرموا مثلنا ويحنون إليها.. نوستالجيا سببها ولعهم بالميديا واطلاعهم على أحوال البلاد فى المراحل التاريخية المختلفة، وأمام هذه الحالة أجد نفسى عاجزًا عن التفاؤل رغم قولى إن هناك دائمًا أملًا.. هناك ثوابت فى السياسة كانت وراء الأوضاع الأفضل زمان، هذه الثوابت هى الليبرالية، والحريات السياسية رغم وجود الاستعمار، ورغم وصول أحزاب الأقلية إلى الحكم أكثر من حزب الوفد، حزب الأغلبية، لم تجد أحزاب الأقلية راحة أبدًا أمام الشعب، كما لم يجد الاستعمار الإنجليزى، وهكذا كان هناك دائمًا ما تفعله هذه الأحزاب من مكاسب اجتماعية وتعليمية وثقافية للناس. حين دخلنا عصر الدولة المركزية من جديد مع ثورة يوليو 1952 بدأ الشرخ الأول فى الحياة السايسية، ورغم نجاح الدولة فى مشروعات اقتصادية جبارة وتعليمية، فإن كل ذلك راح بجرة قلم من الرئيس السادات.. جرة قلم ظلت مع عصر مبارك، صارت الدولة رخوة مع السادات.. قوة الدولة اعتمدت منذ يومها على قوتها الأمنية، وليست هذه قوة الدولة، قوة الدولة فى ثقافة وعلوم من يقودونها، عبدالناصر رغم أنه كان رجلًا عسكريًا تحول بالدولة الليبرالية إلى الديكتاتورية، كان معه رجال تعلموا فى العصر الملكى، ثقافتهم كانت غزيرة جوار العلم، لم يكونوا مجرد تكنوقراط، والأمثلة منهم كثيرة، شيئًا فشيئًا انتهت هذه الظاهرة، وأصبحت المفاضلة مثلا بعد ثورة يناير 2011 بين التكنوقراط والسياسيين، ولم نجد حتى الآن من يحمل الصفتين معًا، لذلك لا أتعجب حين تتحدث الدولة عن مشاريع بناء، ولا تتحدث عن مشاريع تعليم وصحة، وحين تتحدث عن الطرق والكبارى، ولا تتحدث عن الحدائق، وهكذا، لكن فى النهاية حتعمل إيه غير تقول.. فيه أمل!
مشاركة
اضف تعليقاً واقرأ تعليقات القراء
مشاركة
لا توجد تعليقات على الخبر
تم أضافة تعليقك سوف يظهر بعد المراجعة