يظل صوت عبدالرحمن الأبنودى عندما يلقى أشعاره المكتوبة أو المغناة بمثابة قنديل الأمل الذى حمله منذ الستينيات وحتى الآن لينير طريق المصريين والعرب فى لحظات الظلمة والعتمة والكآبة وهم يحلمون بالغد المشرق وبالحرية والكرامة. الخال عبدالرحمن الذى نحتفل به اليوم بمناسبة مرور 77 عاما من عمره المديد الحافل بالأيام الحلوة وبالفرح والحزن والانكسار والصمود، فى التشبيه الفلسفى مثل «ديوجين» أحد أشهر تلامذة الفيلسوف اليونانى سقراط، الذى اشتهر بحمل مصباحه كرمز للحكمة والبحث عن الحقيقة. فى أحلك الأوقات التى مرت بها مصر وعاشها المصريون كان يهتك بشعره ستائر اليأس، ويحطم بكلماته ركام الإحباط والإحساس بالهزيمة. فى وجهة نظرى ونظر الكثيرين العاشقين له، يعتبر الأبنودى هو مفجر «الثورة الثانية» فى شعر العامية المصرية بعد جيل الرواد، بيرم التونسى وفؤاد حداد وصلاح جاهين، فى كل خصائصه وأنواعه سواء العاطفى والوطنى والتراثى وعمق به شعور الهوية الوطنية المصرية من أقصى جنوب مصر إلى أقصاها فى الشمال بنقاء وصفاء الضمير المصرى وبوهج وطنى أشعل حماس الحشود والجموع فى القرى والنجوع والمدن وفى «الغيطان» والمصانع وميادين الحرب «على شط القنال».
الخال لم يترك أفراحنا وأتراحنا وسعادتنا ومتاعبنا وأحلامنا وأوجاعنا فى دفاتر الحب والوطن إلا وكتبها شعرا ليقرأها ويغنيها «الفلاح الصعيدى والبحراوى والسويسى والإسماعيلاوى والبورسعيدى» بألحان عباقرة الزمان بليغ والطويل والموجى وعبد الحق. فى 67 ورماد النكسة والهزيمة والحزن يكسو كل شىء فى مصر، كان الأبنودى يبشر بالنصر ويغنى «موال النهار» و«ابنك يقولك يابطل هات الانتصار» وتندفع وراء الجموع تتشبث بتلابيب الأمل وبالتحدى فى شعره وكلماته. بصوت حليم وألحان بليغ تنطلق مدفعية الأبنودى رافضة للهزيمة وواثقة فى النصر ومحفزة للقائد والشعب. ومع معارك الشرف يغنى لسيناء ولـ«بيوت السويس» وللجنود الأبطال فى ميدان المعركة وتتحقق نبوءته. وبعد وفاة ناصر وتكالب كلاب السلطة وكتبة السلطان الجديد لنهش سيرة الرجل وسمعته وذكراه، ينتفض الأبنودى صلبا قويا مدافعا عن زعيمه حبيب الشعب «جمال» ودفع ثمن مواقفه سجن وتشريد.
الخال الأبنودى هو جبرتى العامية المصرية فى الخمسين عاما الماضية، وأظن أنه من واجبه وحقه على الباحثين والمهتمين بالشعر المصرى وتاريخه أن يبدأوا فى كتابة «السيرة الأبنودية» حتى يكون أجمل احتفال بعيد ميلاد «أبو آية ونور».