براء الخطيب

مذكرات راسب ثانوية عامة.. عن لشبونة وعشق البرتغال «17»

السبت، 11 أبريل 2015 11:00 م

مشاركة

اضف تعليقاً واقرأ تعليقات القراء
جزيرة «جران كاناريا» كانت تابعة لإسبانيا، ولم تكن تابعة للبرتغال، هذا ما عرفته من «ألبرتو»، وكان علينا الخروج من جمرك «لاس بالماس» لقضاء عدة ساعات فى المدينة، وعلينا أن نترك كل الممنوعات التى من المحتمل أن تكون معنا، لأن التفتيش فى جمرك «لاس بالماس» يتم بمنتهى الدقة، وربما القسوة فى بعض الأوقات، ولما كنت لا أحمل معى أى ممنوعات فقد قلت لـ«ألبرتو» ذلك، فبدا عليه الاطمئنان، لكنه قال لى إنه يعرف بخبرته كبحار قديم أن البحارة المصريين والهنود كثيرًا ما يحملون مخدر الحشيش معهم، مما يجعلهم دائمًا عرضة للتفتيش الصارم فى كل الموانى، وليس فى الميناء الرئيسى لجزيرة «جران كاناريا» فقط، كما أن البحارة الإيطاليين كثيرًا ما يحملون مخدر الحشيش مذابًا فى سائل «الإيتير» حيث يضعونه فى زجاجات الدواء، أما البحارة من الأفارقة فدائمًا ما يحملون مخدر المورفين الأبيض الشفاف.

بعد أن قضينا ساعتين متسكعين فى الشوارع المحيطة بالميناء، وشربنا زجاجتين من البيرة فى أحد المتنزهات عدنا إلى العبارة التى غادرت ميناء «لاس بالماس» فى طريقها إلى ميناء «فونشال» فى جزيرة «ماديرا» التى قال عنها «ألبرتو» هذه المرة إنها وإن كانت من أملاك البرتغال، فإنها تتمتع بسلطة الحكم الذاتى. لم يكن ميناء «سانتا ماريا» فى «فونشال ماديرا» إلا مساحة محدودة مما يسمح لأى كائن موجود فى طرف من أطرافها أن يسمع صيحات «ألبرتو ألفاريز رودريجو» وهو يصرخ:
«ماديرا..ماديرا»، مما جعل بعض البحارة وعمال الميناء المتناثرين هنا وهناك على الرصيف أن يرفعوا أيديهم ملوحين لنا، وكان علم البرتغال يرفرف فوق المبنى الرئيسى فى الميناء بلونيه الأحمر والأخضر، والدائرة الصفراء فى المنتصف، وبداخلها خمس نقاط سوداء تشكل صليبًا على خلفية بيضاء تتوسط مساحة حمراء بها سبع نقاط صفراء، وشرح لى «ألبرتو» قائلا: «إذا نظرت للدائرة فى المنتصف فى العلم، سوف ترى هذا الدرع الذى يمثل الشعار الأول لمملكة البرتغال التى أسسها «ألفونسو هنريك» بعد انتصاره على جيوش المسلمين، هكذا علمونا فى السنة الأولى التى دخلت فيها المدرسة فى قريتى الصغيرة «كانيكال»، انظر لهذا الشعار جيدا سوف تجده يشمل خمسة تروس تمثل الجيوش الإسلامية الخمسة المهزومة فى المعركة، أى أن هذه الأشكال الخمسة الزرقاء المرمزة فى داخل الدرع هى إشارة للتروس الخمسة للجيش الإسلامى المهزوم، هكذا شرحوا لنا فى المدرسة، وحفظنا فى طفولتنا المعنى العميق الذى يرمز له هذا العلم الجميل».

كنا قد هبطنا من سلم العبّارة إلى الرصيف منذ دقائق متأثرين قليلًا بنبيذ الزجاجات الثلاث الذى كاد تأثيرها أن يتلاشى، فى هذه اللحظات وضع «ألبرتو» يده على كتفى فى مودة حقيقية وهو يقول لى بأن علينا أن نذهب بعد خروجنا من باب جمرك ميناء «سانتا ماريا» إلى موقف الباصات الذى سوف يصل بنا بدوره إلى موقف الباصات الرئيسى فى منتصف مدينة «فونشال» عاصمة جزيرة «ماديرا» البرتغالية، حيث نركب واحدًا منها إلى قرية «كانيكال» التى تعيش فيها أسرة «رودريجو» التى شرّفت مهنة البحارة بإنجاب بحار رائع مجرب وصديق حقيقى اسمه «ألبرتو ألفاريز رودريجو».

أخيرًا وصلنا إلى «كانيكال» كما أعلن سائق المينى باص العجوز، قطعنا المسافة من موقف باصات «كانيكال» حتى بيت عائلة «رودريجو» سيرًا على الأقدام فى نصف ساعة تقريبًا، حيث كانت ساعتى تشير إلى الساعة التاسعة مساء، وعليك الآن أيها البحار البرتغالى الرائع أن تجيب عن كل أسئلة أفراد الأسرة، ها هو «ألفاريز» الأب، و«يائيل» الأم، و«جوديت» الجدة، ثلاثتهم الآن يجلسون أمامك فيما كانت «سارينا» أختك تجلس إلى جوارك، وهى تضم طفلها الرضيع بين ذراعيها، وعليك الآن أن تجيب عن كل الأسئلة.. وللمذكرات بقية.








مشاركة

لا توجد تعليقات على الخبر
اضف تعليق

تم أضافة تعليقك سوف يظهر بعد المراجعة





الرجوع الى أعلى الصفحة