كنا أطفالا نحلم بالمستقبل ملأنا الشوارع ضجيجا وصخبا يصحبه دفء وحنان يغمره، والدانا دفء لو صعد إلى السماء لكان سراجا منيرا ولو نزل إلى الأرض لكساها سندسا وحريرا ولو مزج بماء البحار لجعل الملح الأجاج عذبا فراتا سلسبيلا، مشاعر حب جياشة تتدفق من الأبوين على أبنائهما، يسهران ليلا ويكدحان نهارا من أجل توفير حد الكفاية لأبنائهما.
كنا نستمد دفء المشاعر من مجرد نظرتهما المملوءة بكل احتواء والتى تملأ الأرض والكون حبا وحنانا، تلفح أمانينا هواء البرودة ليلاً حتى تطلع عليه شمس النهار، كنا نصل ليلنا بنهارنا نلهو ونلعب نرقص ونشدو بأعذب الكلمات، أيام بريئة خالية من الأنا والهموم.
حلمنا بفتاتنا الجميلة وحلمت بفارس الأحلام الذى يأخذها على جواد أبيض نرسم على شفاهنا البسمة ونسترقها وسط أهات الزمن، يملؤنا النشاط والحيوية والحلم والأمل، يقتلنا الطموح، نحلم يومًا أن نكبر حتى يشب عودنا ونغوص فى ملذات الحياة كانت حياتنا مفروشة بالورود لا ينقصها سوى أن نكبر.
وبدأنا نكبر فزادت فرحتنا لننتقل من المرحلة الابتدائية إلى الإعدادية فقد بدأنا مرحلة جديدة فى حياتنا أصدقاء جدد وربما مدرسة جديدة وحياة جديدة ووصلنا لمرحلة الثانوية وهى مرحلة تكوين الذات والمعرفة والثقافة والعلاقات الاجتماعية أصدقاء السراء والضراء، الكفاح والطموح جمعتنا شقاوة فى بعض الأحيان وعاطفة فى أحيان أخرى تنافس فى تحصيل العلم وربما للفوز بقلب فتاة ما يلبث أن يتحول إلى خناقة وكلها لحظات ثم نتصالح جميعًا، من منا ينسى أول حب له فى المراهقة من منا ينسى أصدقاء الشدة والشقاء والألم والمغامرة، من ينسى تجمع الأسرة على مائدة واحدة .
حتى طلت علينا مرحلة الجامعة بعالمها الجديد دنيا غير الدنيا حياة بدايتها غربة عن الأهل والأوطان واعتماد على الذات وكفاح مرير من أجل البنيان صداقات قوية مازال كل منا يذكرها حتى الآن. علمونا أن الجامعة هى بداية الطريق لتحقيق الحلم من منا لم يحلم بيوم تخرجه وزواجه من فتاته التى أحبها فى الجامعة أو الفتى التى ستتزوج به بعد التخرج والذى سيكون الزوج والرفيق والحبيب الذى يعين على مصائب الدهر، ذكريات المدينة الجامعية والرحلات الترفيهية والأسر الطلابية والمحاضرات والأساتذة الذين أثروا الفكر وما زالت كلماتهم تردد فى آذاننا .
انتهت أيام الجامعة بحلوها ومرها وبدأت مرحلة الحياة العملية متمثلة فى البحث عن لقمة العيش والغربة الحقيقية مع النفس فكل ما حلمنا به كان سرابا ووحى ننسجه من خيالنا فلا تزوجت الحبيبة التى لطالما حلمت بها فى الجامعة ولا حققت ما كنت تطمح به معاناة فى البحث عن لقمة العيش، وأنظمه سياسية نقضت العهد وحولت المواطن للعيش بمفرمة يبحث فيها عن لقمة العيش من أجل أن يبدأ حياته. شبابا لا يقوى على تقبل الصدمة ويظل عشرات السنين يبحث عن وظيفة، متفوقون أرهقتهم الظروف وأعيتهم الحيل وحصد مكانهم من لا يستحقون فالبقاء للأقوى وليس الأصلح ,
انتشار الواسطة والرشوة والمحسوبية فى أنظمة استبدادية ظلت قرونا تحكم الوطن حتى قضت على الأخضر واليابس، كثيرون لا يستطيعون تحمل الصدمة ويصابون بأمراض الشيخوخة المبكرة والانحراف السلوكى ومنهم من عافاه الله وأكرمه بفرصة لا تتناسب مع مؤهلاته. ألقى بنا فى مفرمة الخلاط التى لا ترحم عمل ليل نهار من أجل توفير قوت اليوم فى ظل زيادة مستمرة للأسعار وغول بطالة غير مقننة ومرتبات ضعيفة لا تتناسب مع الزيادة فى أسعار السلع والخدمات، أنظمة مستبدة لا تسمع سوى صوت الأغنياء وذوى النفوذ وتدهس تحت أقدامها فقراء الوطن وضعفائه، أب لا يستطيع توفير مصاريف الدراسة لأولاده فيعمل عملا إضافيا بعدما بلغ من العمر أرذله فما أصعب احتياج الابن وعدم قدرة الأب على تلبيتها، انحرافات سلوكية وأخلاقية رسخها بداخلنا الفقر والظلم، تمنينا أن نعود لحظة لأيام الجامعة وقت أن كنا نلهو ونمرح ونحلم ونطمح وقت أن كان يشتد عودنا ونقدر على مقاومة صعوبات الحياة وقتها كانت طلباتنا مجابة لأننا مسئولون من أهلنا ، أما الآن فأهلنا مسئولون منا كنا نحلم ومازلنا نحلم فلم يتبق لنا سوى أن نحلم بعدما مر العمر وأصبحنا فى مفرمة الحياة وطاحونة الزمن.
فلم يتبق لنا سوى الأحلام ..
الأحلام التى تراكمت فوق بعضها دون تحقق..
الأحلام الوردية التى كادت أن تغير الواقع لكنها تحولت لواقع مرير حوله نشطاء السبوبة وأصحاب المليارات إلى روتين ..
الآن يعرض أمامى شريط ذكريات يصيبنى بضحكة ممزوجة بالألم تعتصر قلبى وكل جوارحى على ما مضى من العمر.
شاب حزين
مشاركة
اضف تعليقاً واقرأ تعليقات القراء
مشاركة
لا توجد تعليقات على الخبر
تم أضافة تعليقك سوف يظهر بعد المراجعة