كانت ليلة 19 رمضان والإمام على بن أبى طالب يكثر التأمل فى السماء وهو يكرر: «ما كذبت ولا كذبت إنها الليلة التى وعدت بها»، ثم خرج إلى المسجد لصلاة الفجر، وهو يوقظ الناس كعادته «الصلاة.. الصلاة»، وبينما هو منشغل فى مناجاته مع الله هوى على رأسه بالسيف عبد الرحمن بن ملجم، وهو يصرخ «الحكم لله لا لك»، فصاح الإمام «فزت ورب الكعبة».. وحتى يومنا هذا ما زالت كلمات السفاح بن ملجم تؤجج الفتن فى بلاد العرب والمسلمين، ولم تجف دماء الإمام على حتى الآن.
تأملوا ما قاله الملعون بن ملجم «الحكم لله لا لك»، فقد كانت كلماته بداية الفتنة الكبرى بين المسلمين بعضهم البعض، وتم توظيف الدين لأغراض السياسة والحكم والسلطة، بالقتل والغدر وإراقة الدماء، وتحريف نصوصه السماوية لصالح السيف والجلاد، رغم أن الإمام الشهيد حين حملوه إلى بيته والدماء تسيل منه أوصى ولده الحسين وأهل بيته أن يحسنوا معامله قاتله وقال: «النفس بالنفس فإن أنا مت فاقتلوه كما قتلنى، وإن عشت رأيت فيه رأيى»، ولم يطلب الثأر والانتقام، ولم يأمر رجاله بحرق قاتله، وإنما ضرب المثل العظيم فى الحكمة والعدل وحقن الدماء.
ضجت الملائكة فى السماء لمقتل على، وهبت ريح عاصفة سوداء مظلمة، ونادى جبريل بين السماء والأرض: «تهدمت والله أركان الهدى وانطمست والله نجوم السماء، قتل ابن عم المصطفى، قتل المرتضى، قتله أشقى الأشقياء».. وعندما أتأمل هذا المشهد الجنائزى الحزين، أراه صورة طبق الأصل لما يحدث حولنا فى العراق وسوريا واليمن وليبيا، وألمح أيضا أحفاد المجرم بن ملجم وأهله وعشيرته يختبئون كالفئران فى الجحور فى سيناء الغالية، ويزهقون أرواح شبابنا الذين يفتدون وطنهم ومواطنيهم بحياتهم ويدافعون عنا بصدورهم.. وخلاصة القول، إن القتل أصبح فى بلادنا أسهل من «شكة الدبوس» ولم تعد الدماء والجثث تثير الفزع والرعب، وأسيئ استخدام الأديان المنزلة للهداية والسلام، ولن تنصلح الأحوال إلا بفصل الدين عن السياسة والسياسة عن الدين.