فى غالبية دول العالم وخاصة فى أفريقيا وآسيا وأمريكا اللاتينية وحتى أوروبا، كان لمصر رصيد هائل من القوة الناعمة من خلال من نطلق عليهم «أصدقاء مصر» الذين عاش بعضهم وتعلم فى مصر أو تولى مناصب لبلده فى القاهرة أو كان له اهتمام ثقافى واجتماعى خاص. من الجامعات المصرية ومن مدينة البعوث تخرج المئات من الأفارقة والآسيويين، وتولوا مناصب فى بلادهم، وأصبحوا بمثابة «القوة الناعمة» الحقيقية لمصر، وسندا لها فى الكثير من المواقف، فى الأزمات والحروب. حدث هذا فى الخمسينيات والستينيات بوعى وإدراك سياسى للدور القيادى لمصر فى مجالها الحيوى، وتوظيف كل الأوراق لخدمة أهدافها القومية، ومنها ورقة القوة الناعمة وأصدقاء مصر فى كل مكان.
لمصر أصدقاء فى كل مكان، عشاق للنيل وللحضارة المصرية وللثقافة وللشعب المصرى، لكن بسبب سنوات الانغلاق والتيه منذ منتصف السبعينيات تاه الأصدقاء، وفقدنا الكثير منهم الذين بحثنا عنهم فى وقت المحنة بعد 30 يونيو، واكتشفنا أننا نعانى حالة عجز شاملة فى الوصول للنخب السياسية والفاعلة فى المجتمعات الغربية، وحتى الأفريقية فى الوقت الذى نجح فيه الإخوان فى الوصول إليهم وإقناعهم بكذبهم وتزويرهم للحقائق.
فى جلسة جمعتنا، كوفد إعلامى مصرى، يزور برلين، بعدد ممن يمكن أن نطلق عليهم أصدقاء مصر فى ألمانيا، ودار حوار شيق حول العلاقات المصرية الألمانية، وأدركنا مدى العشق الذى ما زالوا يحتفظون به لمصر، لكن جمعينا تساءل، وأين ذراع الدولة فى الداخل والخارج للتواصل مع هؤلاء، وخاصة أن الرئيس عبدالفتاح السيسى على وشك القيام بزيارة مهمة لألمانيا التى كان لها موقف منحاز ضد يونيو وتغير الآن لأسباب عدة. شخصيات حزبية ألمانية مؤثرة دار حوار معها، وكانت لديها معلومات مغلوطة عن الأوضاع فى مصر، وللأسف لا تجد وسيلة لاستقاء المعلومات سوى من المغرضين والكذابين والمتاجرين، فى ظل غياب حقيقى للدور الرسمى المصرى للتواصل معهم.
ليس دور وزارة الخارجية فقط وإنما دور أوسع للنخب الثقافية والسياسية المصرية لاستعادة قوة مصر الناعمة وأصدقائها فى الخارج، مثلما فعلنا فى الخمسينيات والستينيات، وقبل أن يصل الرئيس إلى برلين هناك اقتراح بعقد لقاءات موسعة ومكثفة مع الأصدقاء فى ألمانيا من جميع الأطياف الحزبية والبرلمانية والثقافية والعلمية.