كم كانت فرحتى عارمة حينما قرأت خبرا يقول إن رئيس الهيئة المصرية العامة للكتاب، الدكتور أحمد مجاهد، اتفق مع ورثة الشيخ الراحل الجليل عبدالمتعال الصعيدى على نشر أعماله الدينية وكنوزه البحثية ضمن إصدارات هيئة الكتاب، فهذا الشيخ الجليل يعد نموذجا للتجديد الدينى المستنير الخارج من عباءة الأزهر، والمحصن بالرؤية الإنسانية للإسلام وعبقريته، والمتعال عن التفاهات والمتدرع بأصول البحث العلمى وآداب الخلاف والتجديد، وإنى لأدعوك إلى قراءة كتابه الرائد «القضايا الكبرى فى الإسلام» لتعرف كيف يكون الاعتراض على التراث الإسلامى مثمرا، وكيف يبجل هذا الشيخ المستنير تراثنا الإسلامى، وينتقد بعض ما به من مسالب دون أن يجرح شعورك الدينى أو ينال من قدر الصحابة الكرام أو يقدح فى شيوخ المذاهب وأئمة المسلمين، وقد كتبت عن هذا الشيخ الجليل منذ ثلاث سنوات، ضمن سلسلة حلقات «فقهاء التنوير» التى نشرتها «اليوم السابع» فى رمضان 2012 ودعوت إلى تحقيق تراث هذا الرجل والعمل على نشره على نطاق واسع، وهو الأمر الذى تحقق الآن على يد هيئة الكتاب، وهو الأمر الذى يستحق الثناء والشكر على هذا الوعى بالأزمة والمبادرة بالإصلاح.
ما أحوجنا الآن إلى إبراز مشروع «الصعيدى» التنويرى التجديدى وسط هذه الاضطرابات التجديدية التى أصابت المجتمع ببلبلة كبيرة، وجعلت سمعة «تجديد الخطاب الدينى» سيئة، فهذا الشيخ الجليل الذى ينتمى إلى مؤسسة الأزهر الشريف والعالم بأصول اللغة وآليات البحث فتح بمؤلفاته الباب لنقد التراث الإسلامى بصورة عقلانية مستبصرة، وإنى أزعم أن محاولاته التجديدية تقف بين جميع المحاولات شامخة سامقة، لأنها محاولات أرادت أن تصلح لا أن تهدم، وأرادت أن نبنى الحاضر لا أن نهدم الماضى، وأرادت أن تجتهد فتصيب وتخطئ لا أن تشتهر فتحتل الفضائيات وتشعل المعارك الفارغة.
ينتمى هذا المجدد الكبير عبدالمتعال الصعيدى إلى عائلة التجديد الإسلامى فى مصر مثله مثل الإمام الليث ابن سعد، والإمام العز بن عبدالسلام، والإمام حسن العطار، والإمام محمد عبده، والإمام مصطفى عبدالرازق، والإمام محمود شلتوت والإمام المراغى، فللأسف قد أنتج الإمام عشرات الكتب والأبحاث المهمة، والتى تنهض بالمسلمين من قاع الدنيا إلى قمتها، وتبرئ الدين الإسلامى الحنيف مما يلصقه به المغرضون، لكن ما يطبع الآن من عشرات الكتب التى تتجاوز الستين كتابا هذه لا يتعدى عشر إنتاجه أى ستة كتب، فقد أنتج الشيخ ما يقرب من خمسين كتابا مطبوعاً، وعشرين كتاباً مخطوطاً أهداها كلها للأزهر الشريف، ولم تر النور حتى اتفق ورثة الشيخ مع هيئة الكتاب على طباعتها، وإنى أنتهز هذه الفرصة لأجدد دعوتى التى ناديت بها منذ ثلاث سنوات أيضا بإنشاء مركز قومى لتحقيق التراث الدينى باسم الإمام محمد عبده، لكى نقى ديننا ودنيانا من تفاهة المغرضين وبشاعة المتطرفين، فهل من مستجيب.