يقولون: "الخوف لا يمنع من الموت، لٰكنه يمنع من الحياة"؛ نعم، فمن يأسِره الخوف لا يستطيع أن يحيا ويبنى. وفى ظل احتفالات عيد القيامة، نتناول موضوع "الخوف". أن تلاميذ السيد المسيح بعد صلبه وموته، بدأوا يشعرون بالخوف من اليهود حتى جاءت القيامة لتنزِع عنهم الخوف. يقول الكتاب: "ولما كانت عشية ذٰلك اليوم، وهو أول الأسبوع، وكانت الأبواب مغلَّقة حيث كان التلاميذ مجتمعين لسبب الخوف من اليهود، جاء يسوع ووقف فى الوسْط، وقال لهم:«سلام لكم!»."؛ وهنا تَبدد الخوف فى أعماقهم؛ إذ نجدهم يتصدَّون للتهديدات الموجَّهة إليهم، بكل شجاعة ودون أدنى خوف. وهٰكذا من الصعب هزيمة إنسان لا يخاف، حيث إن الهزيمة الحقيقية التى يتعرض لها أى بشرى تبدأ من الداخل. وكلما تقوّى داخل الإنسان وصمد، استطاع أن يحقق النجاح والانتصار فى حياته، مهما صادفته آلام وصعاب شديدة.
إن التحدى الحقيقى إزاء ما يمر بالشخص فى جميع أمور الحياة، ينبُع من إيمان داخلى عميق لا يهتز، يقاوم به الخوف الذى يمكن أن يهُزه. فخوف التلاميذ بعد القيامة، وانغلاقهم على أنفسهم، كان من الممكن أن يحطما كل إيمان لهم. وبالقيامة تبدل الخوف الذى فى أعماقهم إلى شعورهم بالأمان؛ فاستطاعوا أن يبنوا ويعملوا بالرغم من كل ما تعرضوا له من ضيقات حتى أنهم لم يهابوا الموت.
وكذٰلك فى الحياة، يحتاج الإنسان إلى أن يتحرر من الخوف والقلق ليستطيع الحياة والبناء. فهناك من يخاف من الفشل فى الحياة، وهٰذا يُعد أكبر الأخطاء التى يرتكبها فى الحياة! فخوفك من الفشل لن يصل بك إلا إلى الانغلاق على ذاتك وترددك حيال أى فرصة تساعدك على التقدم نحو النجاح؛ وبٰهذا تبتعد كثيرًا عما تحلُم به من نجاح فى الحياة، ويكون مصيرك الفشل.
وهناك من يخاف المستقبل أو البشر، وإلى هٰذا أقول: ارتفع بعينيك نحو السماء؛ فلِمَ الخوف؟! فإن كانت هناك غَيمة تحجب عنك ضياء الشمس، إلا أنها ما تزال هناك وستشرق من جديد! وإن قوِى عليك إنسان، فثق بالله القوى الذى يدبر كل أمور الكَون، ومن غير سماح منه لا يستطيع أحد أن يدبر أمرًا. ومن أجمل الأقوال التى قرأتُها عن الخوف: "لا تبالغ فى الخوف من شىء، فالخوف نفسه قد يضرك أكثر من الشىء الذى يخيفك".
لذلك، انتصر على الخوف، ولا تترك نفسك لشكوكه، حتى لا تضيع منك الحياة دون أن تحقق فيها رسالتك التى خُلقتَ من أجلها.
انتصر على الخوف؛ فهٰذه هى البداية الحقيقية لكى تكون مؤثِّرًا فى الحياة، تاركـًا فيها آثارًا يستطيع آخرون اتّباعها.
انتصر على الخوف، بقلب أدرك أن فى الحياة أمورًا أهم وأعمق من الانحسار فى دائرة القلق والخوف التى لا تنتهى إلا بتدمير معنى الحياة.
انتصر بإيمانك أن الله يرعاك، ويهب لك حياة كى تبنيها وتعمرها بالمحبة والسلام.
• الأسقف العام رئيس المركز الثقافى القبطى الأرثوذكسى
مشاركة
اضف تعليقاً واقرأ تعليقات القراء
مشاركة
لا توجد تعليقات على الخبر
تم أضافة تعليقك سوف يظهر بعد المراجعة