وكما يقول المثل المصرى الشعبى: مافيش حلاوة من غير نار، ويقول مثل آخر: الغاوى ينقط بطاقيته، لقد نادى الكثير من المثقفين طوال العقود الماضية بضرورة تجديد الخطاب الدينى، وإن ما يقع من ظلم مجتمعى بين الناس وبعضها، من جراء هذا الخطاب القديم المهترئ، سينتج عنه فى النهاية وقوع جرائم لا قبل لمجتمعاتنا بتحملها. لكن أحدا لم يسمع أو يعقل، حتى بدا مؤخرا إن هؤلاء المثقفين كانوا على حق، وإن ما تنبأوا به قد حدث. قلت فى المقال السابق إن الرئيس تحدث من واقع كونه رجلا عسكريا يحرص على الأمن القومى، ووجد فى الخطاب الدينى ما يهدد الأمن القومى لما ينتج من جماعات تطرف وإرهاب. لا توجد ديانة على الأرض لم يتم تجديدها وتحديثها وتطويرها، شأنها فى ذلك شأن أى فكر، أو عنصر من عناصر الحضارة البشرية، ولننظر لتجارب غيرنا كى نعلم، هل نحن جادون حقا فى ما نطالب به، أم إنها مجرد فورة غضب أو صرخة متحمسة، ستذهب كما ذهب غيرها؟
طيب، هناك شروط يجب توافرها إن كنا حقا نريد توفير مناخ مناسب لتطوير الخطاب الدينى وتجديده. والحقيقة إننا ليس أمامنا سوى أن نريد تطوير الخطاب الدينى، فنحن أمة على وشك الذبول والانقراض، نحن نواجه تهديدا لوجودنا، وذلك التهديد نابع منا أكثر مما ينبع من الخطط والمؤامرات المحيطة بنا. نحن نحمل بداخلنا كل عناصر تدميرنا، بدءا من الفرد المواطن البسيط الذى يحمل فى رأسه أكواما من القمامة التى تسكب بشكل دورى فى رأسه عبر الإعلام والمنابر الدينية والكتب المدرسية، مرورا بالأسرة التى تشهد نموذجا مصغرا بسيطا على الانتهاكات التى يعانى منها مجتمعنا، وانتهاء بشكل المجتمع الذى يلعب خارج التاريخ، يفكر خارج التاريخ، يعيش خارج التاريخ، لا يضيف للإنسانية سوى أعباءً وأحمالا، وقد تكون فائدته الوحيدة للبشرية إنه الأعلى استهلاكا لكل ما تنتجه الأمم التى سواه.
لتوفير المناخ المناسب لتجديد الخطاب الدينى، يجب أن يتوفر شىء مهم جدا، ربما هو الأهم على الإطلاق، وربما لا يروق لكثير من الناس، وقد لا يروق للرئيس، الحرية، يجب أن تنعم مجتمعاتنا بالحرية، يجب أن يتنفس الناس، يجب أن تطلق حرية التفكير، وحرية التعبير، وللحرية ضريبة: ستمسع ما يرضيك وما يزعجك، وستقرأ ما يروق لك وما يغضبك، وهذا أمر طبيعى، وإنسانى، لا مجال لبرمجة البشر على خطة واحدة، وأسلوب واحد، وطريقة تفكير واحدة. كما إن تباين الأفكار، وظهور جميعها إلى النور، الغث منها والسمين، يخلق حالة من الفوران، والتفاعل، مما يؤهل المجتمع لطهى تلك الأفكار، والوصول إلى نتائج مبهرة. أول مظاهر الحرية، أن يتحدث شخص كما يروق له، ويفكر بصوت عال، ويتناقش، ويحاول أن يدافع عن فكرته، ويرد عليه من يريد الرد، دون تدخل مؤسسة ما لمنعه، ودون محاولة من المستمع للمصادرة عليه: أسكت أنت.. أنت مالك؟! طب ما تسكت أنت كمان. إن كان لديك رد فعليك به، وإن لم يكن لك رد، فإن كنت تريد تجديدا وتطويرا حقيقيا فليس من حقك أن تمنع شخص ما وتقصر مهمة التجديد على مؤسسة تبلغ من العمر ألف سنة، مع كامل احترامنا لها، وتدرس من الكتب ما يزيد عمره عن خمسمائة سنة.
هو كل واحد يفتى؟
آه.. هو بيفتى فوق دماغك؟ إن لم يعجبك كلامه فلا تسمع له، لكن ليس من حقك أن تمنعه.
إن كنا نريد أن نصبح «قااد الدووونياااا» فإننى أعلمكم بأننا فى طريقنا إلى مزبلة التاريخ بفضل الأفكار البالية التى تتحكم فينا، وإن كنا لا نريد ذلك المصير فعلينا التطوير والتجديد، وإن كنا نرغب فى التطوير والتجديد، فعلينا بالحرية ثم الحرية ثم الحرية.. حتستحملوا؟
لا.. طب ما ترجعوش تعيطوا بقى.
تم أضافة تعليقك سوف يظهر بعد المراجعة