لماذا يقبل بعض الناس على متابعة الأفلام القديمة بشغف؟ وكيف نفسر ظهور قنوات فضائية عديدة تعرض هذه الأفلام يوميًا؟ وهل يقتصر الأمر على مجرد حنين طبيعى للماضى ينتاب المرء كلما تقدم فى السن؟ أم أن هذه الأفلام تعكس صورة زمن ولى وانطباعات عصر مضى؟ وماذا يمكن أن نستخلص من دلالات حين نطالع فيلمًا عرض من ثمانين أو سبعين سنة؟
حول هذه الأسئلة وغيرها دارت المحاضرة التى شرفت بإلقائها فى مقر المكتب الثقافى المصرى بأبوظبى، تلبية لدعوة كريمة من الأستاذ الدكتور أمجد الجوهرى، رئيس المكتب ومستشارنا الثقافى فى دولة الإمارات العربية المتحدة، ضمن ما قلت.. إننا أنتجنا نحو 3000 فيلم فى القرن العشرين، فى حين أن رصيد بقية الدول العربية مجتمعة من الأفلام المنتجة فى ذلك القرن لا يتجاوز 600 فيلمًا، الأمر الذى يوضح الحجم الضخم لصناعة السينما فى بلادنا، كما أشرت إلى الدور المحورى الذى لعبته ثورة 1919 فى النهوض بالمجتمع كله، وإذا كان أول فيلم مصرى بالمعنى الحديث كان صامتا وهو «فى بلاد توت عنخ آمون» للمخرج الإيطالى فيكتور روسيتى قد عرض فى سنة 1923، فإن السينما سرعان ما نطقت واستجاب يوسف وهبى للتطور التكنولوجى، وأنتج أول فيلم مصرى وعربى ناطق وهو «أولاد الذوات» عام 1932.
من أهم الدروس التى يمكن أن نستفيد منها عندما نشاهد أفلامنا القديمة تلك البانوراما الشاملة للمجتمع المصرى فى عصر معين، فقبل 23 يوليو 1952 كانت الطبقة المتعلمة فى مصر ترفض أن تتلفظ بأية كلمة إنجليزية، لأنها لغة المحتل، وتلجأ إلى استخدام مفردات وتعابير فرنسية مثل (بردون/ ميرسى/ بنجور/ بنسوار/ أوروفار.. إلى آخره)، كما تقدم هذه الأفلام صورة نابضة بالحياة لشوارع القاهرة ومبانيها وملابس الرجال والنساء وأسعار زمان، وحجم الأجانب، غير الإنجليز، المنتشرين فى شرايين المجتمع ودورهم الحاسم فى تعزيز فضيلة قبول الآخر والتفاعل معه.
أما أهم ما دار فى هذا اللقاء الحميم الذى أدارته بذكاء الإعلامية المصرية الموهوبة حورية عبيدة، فتمثل فى حيوية الجمهور وتفاعله الكبير. حقا... نحن نملك كنزا ضخمًا اسمه سينما الأبيض والأسود.
تم أضافة تعليقك سوف يظهر بعد المراجعة