لا أريد الجزم بأن كل من شاهد مناظرة الأزهرى والجفرى مع بحيرى فى معركة التراث الإسلامى، وكل من تابع موقعة خلع الحجاب الكبرى أصابه الإحباط والحيرة والتشتت وربما التأفف مما يجرى من ضجة كبرى حول قضايا من الماضى يتم استدعاؤها لتسكن، سواء بنوايا حسنة أو بتدبير شرير، فى قلب الحاضر المثقل بمشاكل وهموم تحاصر المواطن المصرى المسكين هى أجدى وأهم وأولى بإثارة الضجيج حولها والنقاش فى سبل إيجاد حلول لها، هل قضية التراث وما له وما عليه وقضية الحجاب هى الشغل الشاغل الآن للمواطن «الشقيان» ليل نهار فى البحث عن لقمة العيش له ولأولاده فى ظل ظروف معيشية صعبة للغاية، وهى همه الأكبر والذى من «دونه الدم». هل هذا كان حلمه وأمله بعد ثورتين أحسن فيهما الظن بتغيير واقعه إلى ما هو أفضل وحياة كريمة يعيش فيها ببساطة، كما اعتاد عليها منذ آلاف السنين، فى تأدية واجباته الدينية، كما عرفها منذ عصر التوحيد حتى دخول الإسلام بدون فلسفة وتعقيد.
المصرى البسيط عرف الدين وآمن به بطريقته الخاصة وبموروثه الحضارى بدون «تقعير» أو «حذلقة وفذلكة» وتشدد، ولذلك كان طريقه للإسلام سهلا ممهدا بسيطا بعد أن سمع وعرف أن «الدين يسر ومن يشاد الدين أحد إلا غلبه فيه»، وأن الطريق إلى الجنة لا يتطلب سوى العمل بأركان الإسلام الخمس فى الشهادتين، والصلاة، والزكاة، والصوم، والحج، أن استطاع إليه سبيلا، وأن هذه الأركان تهذب من سلوكه وأخلاقياته فى المعاملات مع أهله وعشيرته وأسرته وزوجته، ومع جيرانه مهما اختلفت ديانتهم. والاقتداء بالرسول الكريم الذى قال فيه القرآن «إنك لعلى خلق عظيم». والذى عاش حياته قبل وبعد الدعوة دون تشدد ولم يكن «فظا غليظ القلب»، فصام وأفطر تزوج النساء ونام الليل وقام بعضه، وعفا عند المقدرة وتلطف مع جيرانه اليهود والنصارى، وكان له شاعره ولم يمنع الغناء حتى فى بيته. هذا هو الإسلام الذى عاشه المصريون ومازالوا، دون تعقيدات « تراث ابن عبدالبر والطبرى وابن كثير والزمخشرى والقرطبى والبخارى ومسلم والنسائى والترمذى، وغيرهم». عزيزى المواطن المصرى المتدين البسيط أدعوك لنسيان كل هذا الضجيج حول التراث والحجاب وحرق الكتب.. و«خليك مع الله».