الملاسنات ذات الطابع العصبى الانفعالى التى خاضها إسلام بحيرى على شاشات الفضائيات ومع متخصصين فى علوم الشريعة والدين الإسلامى تعكس شعورا داخله بأن ما يطلقه هو مجرد افتراضات ودعاوى لم يستطع إنجاز تحقيقها وإثباتها، والمثير أنه حين يحاول أن يجد ما يبرر بعض دعاواه فى نقد البخارى فإنه يذهب للدارقطنى عالم الحديث الذى استوفى شروط العلم وأصبح مجتهدا فيه، أى أن التراث كان لديه آلية النقد فى العلم، وأنه لا أحد أكبر من النقد العلمى القائم على منهج وتخصص وتمكن، حتى لا يظن الناس أن صحيح البخارى الذى قبلته الأمة بالقبول والرضى يبلغ منزلة القرآن الكريم، وكان الإمام الشافعى، وهو تلميذ الإمام مالك، كتب كتابا بعنوان «خلاف مالك» دوّن فيه ما يختلف فيه مع مالك حتى لا يظن الناس أن مالكا معصوم لا يخطئ، أى أن المذكور الذى ينتقد التراث يعود إليه وإلى علمائه ليعزز بضاعته الرخيصة. وقد كشفت مناظرة المذكور مع أسامة الأزهرى والحبيب على الجفرى أنه يدلس، فقد نسب إلى موطأ مالك مقدمة ثم اتضح أنها لمتأخرى المالكية فى علم مختلف وهو علم التفسير فى التحرير والتنوير لمحمد الطاهر بن عاشور. وكشفت المناظرة أن المذكور يتبنى ما يطلق عليه «التشغيب العلمى»، والتشغيب هو طرح قضايا فى محل الفرضيات وعدم التوصل فيها إلى نتائج نهائية بإجازتها من علماء معتبرين أو تحكيمها من قبل هيئة علمائية محترمة ثم التسرع بالخوض فيها دون اكتمال اختبارها والتحقق من صحتها. وكنت قرأت إبان اهتمامى فى أول مطالع طلبى العلم بعلم الحديث والعقيدة وعلوم الشريعة الأخرى- كتابا اسمه «الحيدة» وهو كتاب صغير يناظر فيه عبد العزيز الكنانى من أهل السنة بشر المريسى من المعتزلة حول خلق القرآن وبحضور المأمون العباسى (170هـ - 218هـ )، والحيدة هى التهرب من الجواب عن السؤال إلى إجابة أخرى وفتح قضاياومسائل أخرى لا علاقة لها بالسؤال، وهذه حيلة نفسية يسعى فاعلها إلى إطلاق قنابل مسائل لا صلة لها بجواب السؤال لإخفاء تهافته وعجزه، وكشفت المناظرة بإجماع كل الحاضرين على أن المذكور كان لا يجيب عن الأسئلة الموجهة إليه ليفتح موضوعات وقضايا أخرى لا علاقة لها بالجواب. ما هو إذن هدف ذلك المشروع الذى يمثله المذكور؟
أولا: الهدف الأول هو تشكيك الناس فيما بين أيديهم من الثقة واليقين والتسليم فى مصادرهم المعرفية والدينية والبخارى على رأس الكتاب الصحيحة بعد كتاب الله، وهو أجمع كتاب لصحيح السنة التى هى العماد الثانى للدين الإسلامى بعد كتاب الله تعالى، وقد فاجأنى الفيديو المعروض الذى أعلن فيه عن تشكيك الناس فيما بين أيديهم لكى يقنعهم بما يريد قوله.
خصصين معيارا للحكم على دين الله وشريعته، وهو ما يقود فعلا إلى النسبية المطلقة وغياب قيم العدل والخير والحق والجمال، وهى قيم لا تخضع لمعايير الخلق، وإنما تخضع لكونها صادرة عن الله سبحانه وتعالى، فالجمهور الكبير لا يعنى أنك على الحق، فقد يتغير مزاج الجمهور غدا، وقد ينصرف عنك، ومن ثم فإن الحق والشريعة والوحى والإيمان بالله لا تتصل بحجم الجمهور المؤيد ولا بقوة السلطة التى تدعم جهة معينة ولكنه يتصل بعلو إلهى فوق البشر جميعا، وأولو العلم المتحققون هم من يملكون- دون كهنوت- بيان ذلك الحق أو بعضه إذا كان اجتهادا، ومن ثم فالدين علم وليس منتجا بشريا استهلاكيا كما قال المذكور.
ثالثا: يهدف ذلك المشروع إلى أن يصبح الإنسان هو المرجعية التى تحدد لنفسه ما يريد وما لا يريد ومن ثم تظهر الأديان المدنية فى أمريكا، حيث يتحول الدين فى النهاية إلى فولكلور، وليس إلى شريعة محفوظة متعالية على البشر، ليس الإنسان هو من يحدد الحق والخير والجمال وإنما تحدده قوة أعلى منه هى الشريعة الإلهية ممثلة فى الكتاب والسنة، الخطوة الأولى هى هدم السنة ومن ثم هدم الكتاب، وهذا استبطان واضح للإلحاد بلا مواربة.
تم أضافة تعليقك سوف يظهر بعد المراجعة