فى أعقاب الضجة الهائلة التى صاحبت مقتل خالد سعيد قبل 25 يناير، سألنى مسؤول كبير بوزارة الداخلية، ضمن مجموعة كبيرة من رؤساء التحرير وكبار الصحفيين: «كيف تواجه وزارة الداخلية هذا الهجوم؟» فقلت له أولا: أن تصدر الوزارة بيانا تعتذر فيه للشعب عن الحادث إذا ما ثبت تورط بعض عناصرها فيه، ثانيا: أن تبادر بتقديم المتهمين فورا للنيابة بدلا من التلكؤ، ثالثا: أن تعلن براءة ذمتها من اتهام ممارسة التعذيب الممنهج التى كانت توصمها فى ذلك الوقت، وأن يستقبل وزير الداخلية حبيب العادلى أسرة القتيل لتأكيد الحرص على سيادة القانون، وأن العدالة ستأخذ مجراها بمنتهى الشدة والحزم، وكتبت ذلك فى حينه فى روزاليوسف.
لم يحدث شىء من ذلك، وضاعت الأصوات الهادئة فى زحمة الصخب والضجيج من الشباب من ناحية، والعناد من وزارة الداخلية من الناحية الأخرى، وظلت كرة النار تتدحرج حتى صارت أحد الأسباب التى أدت إلى احتراق وطن بأكمله، وألمح الآن بوادر أزمة صغيرة مشابهة بسبب ممارسات فردية لبعض أفراد الشرطة، تناولتها بعض الصحف بتوسع وتضخيم، وتعاملت معها وزارة الداخلية بهجوم مضاد وتقديم بلاغات ضد الصحف والصحفيين للنائب العام، فى أجواء من التصعيد والتهييج من قناصى الفضائيات، فى وقت لا يحتمل إشعال نيران من مستصغر الشرر، لا أريد التأكيد على أن الإعلام هو خط دفاع متقدم عن الوطن فى مواجهة الإرهاب، وأن الداخلية بكل رجالها يدافعون عنا بحياتهم وصدورهم، ويسقط شهداؤهم الأبرار مع رجال القوات المسلحة فى الحرب المقدسة لتطهير البلاد من الإرهاب، وهذا يقتضى اللحمة ولم الشمل وليس الخلاف والصراع.
تكمن المشكلة فى الالتزام بسيادة القانون واحترام حقوق الإنسان، والتعامل مع التجاوزات بحسم وشدة مهما كان شأن مرتكبيها، لأن الشرطة تحتاج الناس، والناس لا يستغنون عن الشرطة، ولا مبرر أبدا لإعادة إفساد العلاقة بين الطرفين، ولا مجال أبدا لتجاوزات أمنية من بعض الأفراد كرد فعل غاضب لسقوط زملائهم فى الحرب ضد الإرهاب، ويا حبذا لو تسلحت الصحافة بقواعد المهنية، ولجأت فيما تنشره إلى جهات التحقيق الرسمية، والحمد لله أن فى مصر قضاء مستقلا ونائبا عاما محترما، قال لرئيس الجمهورية: «إننى أخاف الله فلن تكون معى يوم الحساب».