أحمد الجمال

ذكريات يمانية.. سيل العرم «4»

الثلاثاء، 21 أبريل 2015 10:14 م

مشاركة

اضف تعليقاً واقرأ تعليقات القراء
لم أكتب الأسبوع الفائت لأننى عادة أكتب سطور مقال «اليوم السابع» مساء السبت أى قبل النشر بعدة أيام، وتصادف آنذاك أن وقعت أحداث العدوان الإرهابى على قسم شرطة العريش واستشهد وأصيب كثيرون، فضربنى الألم واجتاحنى الغضب والاكتئاب وانصدت نفسى عن الكتابة، حيث تمسى الأمور كلها بلا طعم أو ضرورة عدا الأمل فى انتهاء الإرهاب.. وأواصل اليوم الكتابة فى الذكريات اليمانية التى تتجاوز أدب الرحلات وما قد يحويه من مفارقات وطرائف ومواقف إلى محاولة فهم كنه التكوين اليمنى وطرائق الحياة وأنماط التفكير وتوجه المزاج العام!!، الأمر الذى أراه مفيدا الآن مع احتدام أحداث اليمن والمشاركة المصرية فيها، وهو أمر قد يبدو بعيداً عن التحليل السياسى التقليدى، ولكنى أراه مع آخرين اهتموا بما كتبت مفيدا ومماثلا لذلك التحليل. وقد توقفت الأسبوع قبل الفائت عند زيارة لصنعاء ضمتنى مع الأخ العزيز المهندس عبد الحكيم جمال عبد الناصر، حيث دعينا إلى أمسية ثقافية فى مجلس القاضى عبد السلام صبرة «أبى الأحرار اليمنيين» كما يلقبونه ويعتزون به، وكان يحضرها الكبراء والوزراء والمثقفون وجمهور عريض من الشباب اليمنى.وكان موضوع الأمسية هو «الصحافة العربية بين الحاضر والمستقبل»، ويدير الحوار الأستاذ الدكتور عبد العزيز المقالح رئيس جامعة صنعاء والشاعر المفكر المعروف وعندما جاء دورى للحديث بصفتى الصحفية، واستطردت قليلا حتى علا صوت الدكتور المقالح: «عفوا يا أخ أحمد.. عفوا توقف»! وتوقفت لاكتشف ما يلى، وهو أننى بدأت الحديث عن أن واقع الصحافة العربية - عام 1987 - يعرف عدة أنواع منها.. ففيها الحكومى الذى يحمل اسم «الدلع» وهو القومى وله أمثلة عديدة فى نظم معظمها جمهورى مثل البعث والثورة وتشرين وغيرها فى سوريا والعراق وغيرهما، ومنها ما هو حكومى ولكن له مسحة من المهنية مثل الصحف المصرية.. وكلها فى النمطين متشابهة بحيث أن البائع لو تسلم الأعداد بدون «اللوجو» وكان لديه أختام لاستطاع أن يعطيك ما تطلب إذا مد يده إلى أية مطبوعة.. يعنى سيادتك عاوز بعث أو ثورة أو تشرين أو جمهورية أو أخبار أو أهرام، فإن البائع سيختم لك الختم المناسب على الصفحات! وهناك صحافة حرة نسبيا، رغم ما قد يحيط بها من ظروف تجعلها موجهة بنسبة أو أخرى لحساب جهة التمويل كالصحافة اللبنانية.. وواصلت إلى أن وصلت إلى أن قلت: ولكن هناك صحافة نشأت وكانت مهمتها الأساسية هى الهجوم على ثورة يوليو 1952 وعلى جمال عبد الناصر وعلى الفكر التحررى والتنويرى، وهى صحافة المؤسسة المسماة الشركة السعودية للأبحاث والتسويق التى تصدر الشرق الأوسط ومجلات أخرى، ويهمنى أن أذكر أننى قبل قدومى إلى صنعاء قابلنى صديقى الدكتور إبراهيم البحراوى، وقال لى إن الدكتور عبد العظيم رمضان – وكان مازال حيا يرزق.. رحمة الله عليه – حدثه عن الكنز الذى وجده ونصحه: «يا إبراهيم بطل سذاجة لقد اتصل بى وقابلنى واحد اسمه عبد الله الجفرى واتفق معى على الكتابة ضد يوليو وعبد الناصر وأعطانى عربون رهيب هو ساعة ثمينة ثم اتفق على أعلى سعر للمقالات»، ولم أكمل حتى بادرنى الدكتور المقالح بمقاطعته إياها لأنه استكمل: «يا أخ أحمد الجالس على يمينك مباشرة هو الأخ عبدالله الجفرى»!! ورغم هول المفاجأة إلا أننى واصلت قائلا: «لا بأس.. دعنى أكمل».. وعندها بادر الجفرى – رحمه الله لأنه توفى بعدها بسنين - بوضع الغترة والعقال على رأسه ثم نهض منتفضا مبرطما بصوت عال: «والله أنا ما أدرى ليش هذا المصرى يسب صحافة المملكة.. هذا كلام مرفوض.. وبعدين أحب أقول له إن «مثقفينه» المصريين هم القابلون للشراء وبأى ثمن، وليس ذنبى أنهم كذلك.. وأسجل احتجاجى على إهانة المملكة على هذا النحو»! واتجه الجفرى إلى الباب يتبعه صحفى لبنانى كان يرتدى بدلة أفرنجية، وأذكر أن اسمه صبحى صالح.. واحتقن الجو وإذا بصياح شديد من الغالبية الشبابية الموجودة: «خللى الأستاذ الجمال يستكمل حديثه عن هذه الشر الأوسخ التى دمرت العقل العربى وشوهت الوعى».. واستخدم الشباب اليمنى تلك التسمية بدلا من الشرق الأوسط، وأكملت حديثى وانتهت الجلسة، وعدنا حكيم وأنا إلى الفندق وفى الصباح كان ما جرى فى المساء هو حديث المدينة كلها، وتلقت الرئاسة احتجاجا.. وذهبنا إلى مأرب نزور بقايا سد مأرب الذى أقامه السبئيون وهناك أخذنى صديقى القديم محافظ مأرب «درهم نعمان» جانبا وسألنى عما جرى وعما اقترفت وقال إن الدنيا مقلوبة! وفى مأرب كانت الحجارة التى بنى بها السد القديم ضخمة مستطيلة، ويقال إن الفئران أقامت أنفاقها من تحت أساساته، وعندما جاءت السيول الرهيبة التى تنتج عن الأمطار الموسمية على الجبال ملأت البحيرة التى ضغطت على السد مخلخل الأساسات، فانهار وحدث طوفان أو سيل انطلق كاسحا من مأرب جنوب اليمن حتى صبت مياهه فى الخليج العربى.. وكان هو على ما يقال «سيل العرم»، هذا هو بعض المزاج اليمنى حول جيرانه، ولنا أن نتخيل تأثير هذا المزاج فى الموقف الشعبى اليمنى الحالى من الحرب الدائرة هناك.. وسنستكمل.








مشاركة

لا توجد تعليقات على الخبر
اضف تعليق

تم أضافة تعليقك سوف يظهر بعد المراجعة





الرجوع الى أعلى الصفحة