«مطرح ما تكون مصر يكون الأبنودى» الثائر الوطنى العظيم الذى وارى جسده التراب ولكن علا صوته وشعره عنان السماء، فحين ذهبت مصر كلها إلى أسوان لبناء السد العالى، ملحمة الصمود والتحدى والكرامة الوطنية، كان الأبنودى هناك مع بناة السد، وسطر ديوانه الرائع «خطابات حراجى القط»، إلى «الجوهرة المصونة والدرة المكنونة، زوجتنا فاطنة أحمد عبدالغفار، يوصل ويسلم ليها، فى منزلنا الكاين فى جبلاية الفار»، ومن أسوان جاء إلى القاهرة سنة 62، مناضلا ثائرا يكتب الشعر ودخل السجن قبل نكسة 67، حين كانت مصر فى المعتقلات بمثقفيها وأدبائها وشعرائها، وقال مقولته الرائعة: "البلد الذى يسجننا لابد أن يُهزم".
لم يصلِ، كما فعل غيره، ركعتين لله شكرا على هزيمة جيش بلاده، ومن أعماق النكسة وأحزانها صاغ أشعاره الخالدة، وألهب حماستنا جميعا برائعته «عدى النهار والمغربية جايه تتخفى ورا صف الشجر، وعشان نتوه فى السكة شالت من ليالينا القمر"، وخرجت الكلمات كالرصاص على لسان عبدالحليم حافظ، لتمسح الجراح وتشحذ الهمم وتنادى بالثأر، وكان جنود وضباط الجيش ينشدون أغتيته «ابنك يقولك يا بطل هاتلى انتصار»، واستقبلوها على الجبهة بسعادة بالغة، وبدأت تدب فى نفوسهم روح الانتصار والعزيمة القوية، وظل الأبنودى يكتب ويوقظ الروح الوطنية ويغنى الشعب معه، ويحلف بسماها وترابها ماتغيب الشمس العربية «طول مانا عايش فوق الدنيا».
الأبنودى موجودا «مطرح ما تكون مصر»، فى 25 يناير و30 يونيو، مدافعا قويا عن هوية بلده وحضارتها وثقافتها، رافضا بشدة مخططات الأخونة، فاضحا مؤامرة سرقة الوطن وواقفا مع الشباب وجموع المصريين فى خندق واحد، صارخا فى وجه مرسى «ويا ريس المركب يا حلاوتك ياللى سواقتك عجبانى، من كتر خوفنا على راحتك هنشوفلها ريس تانى.. هنشوفلها ريس تانى».. شعر الأبنودى بحر متلاطم الأمواج، منذ أن جاء من جنوب مصر باحثا عن الفرصة والأمل والمستقبل فى الشمال، وحاملا معه خصب النهر العظيم ينثره أشعارا ثورية، تفيض حبا بمصر.