رواية خرائط التماسيح لـ"محسن يونس" واقعية الخيال وسيرة الوطن المعزول

الخميس، 23 أبريل 2015 06:00 م
رواية خرائط التماسيح لـ"محسن يونس" واقعية الخيال وسيرة الوطن المعزول غلاف الرواية
كتب أحمد إبراهيم الشريف

مشاركة

اضف تعليقاً واقرأ تعليقات القراء
فى واقعنا المعاصر وحالنا الراهن يكون الفرق بين الحلم والواقع وبين المتحقق والمتوقع وبين الحقيقى والوهم صعبا، فلا أحد يستطيع أن يضع حدا واحدا فاصلا بين الجانبين، وهذا بدوره ينعكس على الإبداع لذا فى رواية "خرائط التماسيح" للكاتب الكبير محسن يونس والصادرة عن مركز الأهرام للنشر، نظل نتساءل طوال الرواية: أهو حلم أم حقيقة.. هل هو حفل تنكرى سينتهى بعد صفحة أو صفحتين فى الرواية.. وهل الصدمة تكمن فى تحول الكائنات أم فى بيع الأرض للأجنبي؟.. ولكن سؤالنا الأزلى سيكون من "هم التماسيح"؟.

وجزيرة ديامو التى تدور حولها الرواية تشبه قرية معزولة يحيطها الماء من الجهات جميعها لا تصلها باليابسة/ العالم سوى معدية يملكها "عاشور الجن" وهو رجل تقريبا فقد عقله ويملك قسطا كبيرا من "الرؤية" التى يطلق عليها الجميع "خيالا" يرى ما لا يرونه هم، من مكانه على سطح "المعدية" ينقل الغنى والفقير، المجند وابن الرئيس، يركبون معه وكل واحد منهم يضمر فى نفسه شيئا، يصادق "هو" التماسيح حقيقة وخيالا، فهو بوابة الإنقاذ وفى الوقت نفسه دائرة من الهلاك، وما الجزيرة سوى بوابة شمالية مهمة تحتوى فى داخلها سبعة آلاف عام تنزف وسبعة آلاف مقدس يضيع.

وكى نستوعب ما يقوله "محسن يونس" علينا أن نفتح باب الخيال على مصراعيه، ولا نتوقع "حكاية" تأتى من باب التداعي، فـ"خرائط التماسيح" من الممكن اعتبارها تأريخا لفترة من أسوأ فترات "الشعب المصرى" فترة كان شعارها كما قال الأبنودى "بدال ما تبنى بيع" زمن رجال الأعمال والقطط السمان، وزمان الضياع الشعبى و"كسر النفس".

ومن الجدير بالقول أن "محسن يونس" يملك نوعين من الخيال، الأول خيال الكتابة والقدرة على كسر المتوقع والتداخل والتشابك داخل الحكاية، وخلط الخيالى بالواقعي، فلا تعرف أيهما الأصل وأيهما المبالغة، هل تتحدث التماسيح حقيقة أم هل فقد الرجال ألسنتهم فلم يصبحوا قادرين على الكلام، والنوع الثانى من الخيال هو "خيال الأمل" ويتمثل فى "رأفت حكيم" الضرورى ضرورة الحياة، فلم يقدم "محسن يونس" رواية يحكمها اليأس، لكنه قدمها ممتلئة بالأمل، التماسيح التى تبحث عن دور ضاع منذ سبعة آلاف سنة، والرجال الذين خرجوا للصيد وعادوا بجثة تتكلم وتحكي، وصاحب المقهى الذى لا فرق لديه بين صنع الشاى للتماسيح أو صنعها للبشر، و"نسرين هانم" التى قتلها الوهم، ومرعى الأفندى الذى يكره نفسه والعالم.. ويظل "عزيز الوصيف" الذى يشبه صفة أكثر منه شخصا "متحققا" هو الشخصية الأبرز، كل هذه الشخصيات ليست محبطة إنها تمارس "الحياة" حتى إن كانت ترى الهلاك قادما لا محالة فى سفن قادمة من الشمال أو فى تماسيح حقيقية تحتل الجزيرة أو فى تماسيح مجازية تتحكم فى مقدرات "الخلق" يظل الأمل مبثوثا بين جنبات الرواية.

إذن هو الخيال بلغته وطرق سرده التى تحطم المتاح والسهل وتنعكس على روحك فى التلقى، لكنه بعيدا عن التغريب حيث يعتمد كثيرا على الحوار بين شخصيات الرواية، بما يحمله هذا الحوار من فكر وثقافة يكشف من خلاله أنماط متعددة من الواقع المعيش، أو الذى يمكن أن يعاش بمنطق الأسطورة التى تقترب من الواقع حد المداخلة.

إذن ما يفعله محسن يونس هو عدم الفصل بين الواقع والأسطورة فى عالم الكتابة، فمفهومه عن الرواية لا يعنى حرفية الواقع والنقل عنه فهو يرى أن ذلك جدير بكتابة صحفية، لكن الرواية هى شيء آخر يقودنا إلى هذا التمكن القوى الذى ينتج من توظيف التاريخ والأسطورة والواقع والمتمنى والمستحيل والتراثى والحداثى ليخرج نص يليق بـ"محسن يونس".


موضوعات متعلقة..


قصور الثقافة تصدر تبسيط "تحفة النظار فى غرائب الأمصار وعجائب الأسفار"








مشاركة

لا توجد تعليقات على الخبر
اضف تعليق

تم أضافة تعليقك سوف يظهر بعد المراجعة





الرجوع الى أعلى الصفحة