الاسم زى الجواهر ف الضلام يلمع.. تسمع كلامه ساعات تضحك ساعات تدمع.. شاعر عظيم الهبات معنى ومبنى يا خال.. يشوف إذا عتمت واتشبرت الأحوال.. كأنه شاعر ربابة ساكن الموال.. يقول وحتى إن ما قلش نحس إنه قال.. ولا يقول من الكلام إلا اللى راح ينفع.. والاسم زى الجواهر ف الضلام يلمع..المسألة مش مسألة قوافى قد ماهى رؤى..الكون ف إيد البصير أصغر من البندقة.. وضحكة الفيلسوف متجمعة من شقى.. بهذه الكلمات فى مثل هذا الشهر منذ سنين كتب الخال هذه القصيدة فى نعيه صلاح جاهين، وعجبًا وكأن نفس الكلمات كما تسرى على وصف جاهين تسرى على وصف قائلها، وكأنه كتبها لنرددها له وعنه.
21 إبريل يوم كأى يوم فى العام والشهر، لكنه مُصر أن يحفر رقمه واسمه فى ذاكرة البشر، فقد اختلفت السنين، لكن يظل 21 إبريل هو اليوم الذى رحل فيه صلاح جاهين، ثم هو نفس اليوم الذى رحل فيه سيد مكاوى، ثم يأتى نفس اليوم بعد سنوات ليرحل فيه الأبنودى الشهير بكونه الخال، وفى مصر يقول المثل الشعبى الخال والد، لذا فقد منحته مصر كلها دون اتفاق مسبق لقب الخال لأنه كان كالوالد الذى يشعر بأهل بيته فى الفرح والحزن والهزيمة والنصر وحتى فى الحب.. مات الخال فى 21 إبريل ليدشن بتأكيد أن هذا يوم حزين على مصر والوطن العربى، فتلك مواهب وقامات أعطت لمصر، ولكل متحدث بلغة الضاد الكثير من المتعة والفكر والقيمة والبهجة، تلك قامات عبّرت عنى وعنك، فهى لم تعبر عن بلد أو لون أو جنس، لكنها عبرت عن مكنون بشر فى مختلف الأحوال.
لم يكن الخال، برغم فرط مصريته التى أتى منها بلون البشرة واللهجة من صعيد مصر، حالة أو استثناء بين مبدعى عصره، فهو نتاج لحالة كانت عامة، الأبنودى وجاهين وحليم وكمال الطويل والموجى والشريعى وبليغ وسيد مكاوى ومحمد رشدى والعزبى وفرقة رضا وفريدة فهمى ونجم والشيخ إمام وصلاح أبوسيف وسعاد حسنى ونادية لطفى ورشدى أباظة ونجيب محفوظ وأحمد بهاء الدين وعبدالرحمن الشرقاوى وسعد الدين وهبه ويوسف السباعى وزكريا الحجاوى، عشرات بل مئات وآلاف من الأسماء والمواهب والمبدعين فى كل مجال أثروا حياة مصر والعرب أجمعين بكل جمال وثقافة وقيمة، أو كما قالت نادية لطفى فى تسجيل معها وهى تعزى فى الخال «كان الأبنودى رئة مصر النظيفة القوية الصحيحة».. صدقت الست نادية، لكنها وآخرين من عصرها كانوا أيضًا رئة لمصر نظيفة غير ملوثة، وصورة حلوة تلف البلاد تخبر بأن مصر فتية عفية.
لست من هؤلاء الباكين على الموتى حين يموتون، أو الذين يبحثون فى دفاتر الماضى لمجرد أنه ماض، ويتباكون عليه، لكننى أبحث معكم عما فى الماضى حتى القريب عله يدفع عجلة الحاضر لمستقبل أجمل من كل ماض.. الأبنودى مات كما سنموت جميعًا، لكنه وكل مبدعى عصره سيظلون نهرًا ننهل منه حين تجتمع علينا النوائب، أو نشعر بهواننا على الشعوب، أو على حكامنا إن تجبر منهم أحد علينا.. أمانة عليك يا خال وانت رايح فى رحلتك البعيدة أو القريبة، سلم على الحبايب الذين شكلوا ومازالوا يشكلون وجداننا، ارمِ السلام على حليم، واحضن سعاد، وبوس راس أم كلثوم، وقول لعبدالوهاب هان الود عليك، واطمن على نجم، وبلغ أسامة أنور عكاشة إننا من بعده شلنا الراية البيضا، أما جاهين فقوله من يوم ما راح مملاش مكانه حد، وبلغ مكاوى إنه خد السلطنة معاه، أما الشريعى فأمانة توصله سلام مربع.. فسلام عليكم يا من غزلتم مصر فى عصر، بل فى كل عصر.