العنوان مهم وجميل والجميع ينتظرون منه نتائج ملموسة على الأرض فى أقرب وقت ممكن، وتجديد الخطاب الدينى أو تحديث الخطاب الدينى لا يقل أهمية من وجهة نظرى عن أى مشروع قومى مثل قناة السويس الجديدة أو الشبكة القومية للطرق وغيرها من المشروعات المهمة، لأن بناء الأوطان الحقيقى يبدأ من بناء الإنسان بناءً حقيقياً وقبل التفكير فى أى بناء للمشروعات الاقتصادية والاستثمارية.
وأعتقد بثقافتى الدينية المحدودة أن التجديد يحتاج إلى أمرين: الأول يجب أن يكون هناك تجديد فى تناول المنهج مع عدم المساس بالثوابت والأصول العقائدية للدين، والثانى الاختيار الصحيح للأشخاص الذين سوف يتولون عملية التجديد والتطوير بما يحقق المستهدف من عملية التجديد ذاتها، ولا أرى أن التجديد يكون بعقد المؤتمرات والندوات واللقاءات فقط، وإنما بوضع استراتيجية موحدة واضحة ومعلنة ويا حبذا لو كان الأمر بعد دراسته جيدا أن يتم تعميمه فى الدول العربية والإسلامية مع احترام الرأى والرأى الآخر وأن تكون لدينا ثقافة الاختلاف وآداب الاختلاف لكى نستفيد من بعضنا البعض؛ لأن قضية تقبل الآخر والاختلاف معه فى الرأى أصبحت فى الوقت الراهن من القضايا التى يستلزم علينا تجديدها لأهميتها البالغة فى مرحلة تجديد الخطاب الدينى، فالاختلاف بين الناس فى الثقافة والفكر هى فطرة خلق الله الإنسان عليها وهى أمر طبيعى لا يجب أن ننزعج منه مطلقا، لكن كثيرًا ما كان يقلقنى عند مناقشة أى موضوع، أن يتحول النقاش فيه إلى جدل ثم محاولة مستميتة من الآخر لفرض الرأى ولو بالقوة، وكأن الله سبحانه وتعالى لم يخلقنا مختلفين فى معظم الأشياء، وهى حكمة إلهية عميقة لعل المراد منها أن نستفيد من هذا الاختلاف لإعمار الدنيا وليس للاقتتال الداخلى وتدمير المجتمع وتحويل الأمر من اختلاف إلى خلاف ثم لفرض الحلول ولو وصل الأمر إلى القتل والدمار.
ولا شك أن الاختلاف فى وجهات النظر الفكرية والبحثية، وتقدير الأشياء والحكم عليها هو أمر فطرى له علاقة بالفروق الفردية التى خلقنا الله بها، إذ يستحيل بناء الحياة، وقيام شبكة العلاقات الاجتماعية بين الناس أصحاب القدرات الواحدة والنمطية الواحدة، ذلك أن الأعمال الذهنية والعملية تتطلب مهارات متفاوتة، وكأن حكمة الله تعالى اقتضت أن تكون بين الناس هذه الفروق الفردية، سواء كانت خلقية أم مكتسبة، وبين الأعمال فى الحياة تواعد والتقاء، وكل ميسر لما خلق له، وعلى ذلك فالناس مختلفون والمؤمنون درجات، فمنهم الظالم لنفسه ومنهم المقتصد ومنهم السابق بالخيرات، يقول تعالى "ولو شاء ربك لجعل الناس أمة واحدة ولا يزالون مختلفين".
ومن خلاصة القول فى هذا: إن الاختلاف الفكرى بدلاً من أن يكون ظاهرة صحية تغنى العقل بخصوبة فى الرأى، والاطلاع على عدد من وجهات النظر، ورؤية الأمور من أبعادها وزواياها كلها، وإضافة فكر بحثى إلى عقل الأمة، فإنه قد أدى إلى انقلاب الطريق عند الباحث والمنظر الفردى، ليصبح وسيلة للتآكل المجتمعى الداخلى والإنهاك، ولقد وصلت حدة الاختلاف إلى مرحلة عظيمة خصوصًا عند بعض الفرق الإسلامية التى ترى أنها على الحق المحض أكثر من المسلم المخالف لها بوجهة النظر والاجتهاد حيث أصبح لا سبيل فى فكرها إلا بالتصفية الجسدية للمخالف. الخلاصة أنه يجب أن تكون لدينا ثقافة الاختلاف وآداب الاختلاف لكى نستفيد من بعضنا البعض، وأن يحكمنا فى أى نقاش الموضوعية وعدم التجريح فى بعضنا البعض، لأن التجريح هو وسيلة العاجز وحده، أما الواثق المثقف فلديه من الحجج ما يستطيع الدفاع بها عن رأيه عند الاختلاف.. حمى الله مصر وشعبها.
مشاركة
اضف تعليقاً واقرأ تعليقات القراء
مشاركة
لا توجد تعليقات على الخبر
تم أضافة تعليقك سوف يظهر بعد المراجعة