حينما قدم الدكتور أحمد عبدالغنى، رئيس قطاع الفنون التشكيلية السابق، استقالته للدكتور عبدالواحد النبوى بعد معركة مكتومة بين الوزير ورئيس القطاع، قلت إن تصرفات السيد الوزير تشير إلى أنه لم يستوعب بعد صدمة توليه الوزارة، وإن هذه الصدمة جعلته يتصرف بطريقة لا يتبعها «رجل دولة» يعرف كيف يدير المعارك الجانبية دون أن يهدم أسس المؤسسات التى يترأسها أو يشيع حالة من الاضطراب بين مرؤوسيه، وقبل كل هذا وبعده فإن اشتعال مثل هذه المعارك كفيل بأن يعطل مسيرة الوزارة التى من المفترض أن تقود عملية إعادة الروح وإعادة الوعى وإعادة الانتماء، ويغرقها فى النزاعات الداخلية فى وقت تكاد تغرق فيه مصر فى النزاعات الدولية والفكرية الكبرى، وبعد أن كتبت هذا المقال الذى نشر بعنوان «وزارة المعارك الصبيانية» عقد الوزير اجتماعا مع رؤساء القطاعات والهيئات وكأنه يرد على ما جاء بالمقال مؤكدا أنه لم يُقِل عبدالغنى وأنه لن يقيل أحدا حفاظا على استقرار الوزارة، لكن ما هى إلا أسابيع قليلة حتى خرج علينا الوزير بحوار «مهم» أجراه الزميل «حزين عمر» فى جريدة «المساء» قال فيه «رؤوس كثيرة ستطير قريبا فى الوزارة» وكأنه يستعرض عضلاته على الجميع.
كلمة الوزير هذه ذكرتنى بمقولة «الحجاج بن يوسف الثقفى» الذى قال فى بداية توليه لحكم العراق «إنى أرى رؤوسا قد أينعت وحان وقت قطافها» ليؤسس بتلك المقولة عهدا من أبشع عهود الدولة الإسلامية حتى أصبحت شخصية «الحجاج» نموذجا للديكتاتورية والاستبداد والدموية والوحشية، وهو ما يطرح السؤال: ما هى المهمة التى جاء «النبوى» لينفذها، هل هى تصفية الحسابات الشخصية والاستمتاع بدور الحاكم الآمر المطاع أم بناء حالة ثقافية قادرة على استيعاب التحديات التى تواجهها مصر والوقوف أمام التيارات الدخيلة على الثقافة المصرية؟ وهل سيظل هذا الوزير متبعا لهذا النهج المدمر أم سيقف مع نفسه قليلا ليرتب أولوياته ويضع خطته ويشرع فى تنفيذها؟
وللأسف ليست رغبة الوزير «الدموية» التى ظهرت فى كلمة «تطيير الرؤوس» هى أخطر ما جاء بالحوار، فقد قال الوزير أيضا إنه سيعمل خلال الفترة المقبلة على ضم دار الوثائق القومية لـ«جهة سيادية» وهو الأمر الذى من شأنه أن يزيد معاناة الباحثين والأكاديميين وعشاق تاريخ مصر، وما يزيد الأمر خطورة هو أن يعلن الوزير الذى كان يدير «دار الوثائق القومية» عن هذا الأمر فى ظل استياء الجميع منه وكأنه يقول للجميع إنه مدعوم من «جهات سيادية عليا» وهنا لنا أن نتساءل: هل جاء هذا الوزير من أجل تدعيم وزارة الثقافة وزيادة دورها أم لتفتيت الوزارة والتخلى عن مؤسساتها الكبرى؟ ثم ألا يعلم الوزير ما لحق وزارة الثقافة من أضرار جسيمة بعد فصل «الآثار» عنها، فيريد أن يفتت البقية الباقية؟!