هل سـألت نفسك يوما: لماذا تنفق دول العالم المتقدم ملايين الدولارات على الأنشطة الثقافية فى الدول الأجنبية؟ ولماذا تتكبد دولة كفرنسا مثلا كل هذه الأموال التى تنفقها على المركز الثقافى الفرنسى فى القاهرة؟ ولماذا يتحمل مواطن فرنسى يعمل فى بنك باريسى تكلفة إنتاج مسرحية شعرية باللغة العربية يخرجها شاب مصرى ليشاهدها أبناء السيدة زينت والمنيل؟
إنه «رأس المال الرمزى» الذى تعمل كل الحكومات العاقلة على زيادته وتنميته والاستثمار فيه قدر الإمكان لكى تظل الدولة حاضرة فى وعى العالم ويظل تاريخها ماثلا أمام الجميع ويظل منتجها الثقافى حاضرا فى العقل والوجدان فتصبح طريقة تفكير «المصرى» مثلها مثل طريقة تفكير «الفرنسى» فتتقارب العلاقات وتذوب الخلافات بعد أن أصبح «الآخر» أحد مكوناتك الشخصية والحضارية، وهنا يحق لنا السؤال: أين رأس المال الرمزى لمصر والمصريين؟
من المؤلم أن تعرف أن مصر من أغنى دول العالم فى «رأس المال الرمزى» ويكفى أن جميع سكان العالم تقريبا يعرفون مصر كما يعرفون أجزاء من تاريخها وفنها وحضارتها، ولهذا السبب فحسب تتخذ خطوات مصر أهمية كبيرة فى العالم، فإن تقدم اقتصاد مصر خطوة واحدة شعر به العالم، وإن تراجع خطوات لم يفقد العالم الأمل فى استعادته لعافيته، وهذا ما يفسر ارتفاع تصنيف مصر الائتمانى بشكل كبير خلال الفترة الماضية، بالرغم من أن الاقتصاد لم يتحسن بصورة كبيرة، لكن يكفى أن تمشى مصر خطوة ليعرف العالم أن مصر تمشى وتتقدم لأنها حاضرة فى وعيه وتاريخه وأفلامه وقصصه ورواياته ورسوماته.
تحتاج مصر إلى أقل من القليل من الرعاية والحماية لكى تتقدم وتنمو ويشعر العالم بتقدمها فيتضاعف هذا التقدم، ففى العصر الحديث فحسب، قامت مصر بتجربتى نهضة، الأولى على يد محمد على والثانية على يد جمال عبد الناصر، وفى كل مرة كانت مصر محور أحاديث العالم والمتربعة على رأس اهتماماته، وقد تهيأ العالم لمثل هذا الأمر فى أعقاب ثورة مصر فى 25 يناير، وكان الجميع موقنا من أن المصريين استفاقوا من الكابوس ولن يعودوا إليه مرة أخرى، وللأسف تفننا فى إهدار رمزية «الثورة» وفشلنا حتى فى استثمارها «براجماتيًّا».