أول مايو سنة 1966 فى القلعة الصناعية بالمحلة الكبرى قبل نكسة يونيو بعام كان الرئيس جمال عبدالناصر فى أحلى حالاته، وهو يستعرض نتائج الخطة الخمسية الأولى، والاستعداد لإنفاق 3200 مليون جنيه فى الخطة الثانية، واستخدم النكات على غير عادته وهو يتحدث عن «أبودقن الذى يتاجر بالدين لنسف فلوس المسلمين، ويعملوا بيها انقلابات»، وكان متفائلًا جدًا بالمستقبل بعد أن قطعت مصر شوطًا طويلًا فى محاربة الفساد، والقضاء على الرأسمالية الفاسدة والإقطاع، وسأل عمال مصر: «أجيب لكم مصانع ولا لحمة؟.. قلت مصانع، أنا مجبش لحمة»، ونصح الشعب بتحديد النسل، لأن عدد السكان 30 مليونًا، وبعد 7 سنوات يزيدون بمقدار 5 ملايين.
لم يذكر عبدالناصر شيئًا عن إسرائيل ولا الحرب، إنما عن البناء والتنمية ونهضة مصر، وتحسين أحوال شعبها، وتحقيق العدالة الاجتماعية، ولكن قبل مرور أشهر قليلة نصب الخونة المصيدة فى الداخل والخارج، ودخلت مصر حربًا لم تكن مستعدة لها، وبدأت المؤامرة من حزب البعث السورى الذى استفز إسرائيل بعمليات فدائية فى المدن الإسرائيلية، وردت إسرائيل بالهجوم على دمشق، وإسقاط عدد كبير من الطائرات السورية، وبدأت المندبة «فين مصر؟ فين عبدالناصر؟ فين الجيش المصرى؟.. عبدالناصر لا يصلح زعيمًا للأمة العربية»، وخرجت المظاهرات المدبرة تهاجم مصر وجيشها وشعبها وزعيمها، ودخلنا الحرب بالورطة، دفاعًا عن سوريا وشعبها وأراضيها، والشرح يطول، والدروس كثيرة، أهمها أن إسرائيل التى كانت ترتعد خوفًا من مصر قبل 67 تجرأت علينا لولا قواتنا المسلحة الباسلة التى أعيد بناؤها فى أشهر قليلة، وكبدت العدو خسائر كبيرة فى حرب الاستنزاف، واستردت الكرامة الوطنية.
مضى زمن الحرب بالورطة والخضوع للابتزاز والتحريض، ويقود البلاد رئيس يعى جيدًا الدروس المستفادة، ويحقق توازنًا شديدًا بين حماية الأمن القومى المصرى من ناحية، والدفاع عن قضايا أمته العربية، انطلاقًا من دور مصر ومكانتها ومسؤولياتها القومية، وتمضى البلاد خطوات ثابتة فى إعادة بناء قوتها الذاتية، واقتحام المشروعات القومية العملاقة.. يد تبنى وتشيد وتزرع الخير، ويد تحمل السلاح دفاعًا عن الوطن.