- مفهوم القوة والضعف
دخل "السيد المسيح" مدينة أورُشليم لكى يَحضُر عيد الفصح فيها. وعند دخوله إلى المدينة، كان يركَب على جحش ابن أتان! وهو ما يَضاد مفاهيم ذٰلك العصر إذ كان يُنظر فى القوة على أنها السيادة والعنف. ومقارنة بمفهوم القوة والغلبة السائد آنذاك مقابل الضعف، كان يجب أن يدخل السيد المسيح على فرس حرب قوى تهتز تحته الأرض، كما يقولون! إلا أن الأمر لم يكُن هٰكذا، بل على النقيض، سلك السيد المسيح بوداعة وتواضع، مقدمـًا المَثل والقُدوة فى أن التأثير الحقيقى فى البشر ينبُع من الشخص نفسه لا من خارجه.
وقد قرأتُ قصة عن دخول "السيد المسيح" أورُشليم، راكبـًا على جحش، وليس فرس حرب، إذ كان هٰذا الحيوان يقدَّم إليهم رمزًا للسلام. فيقال إن أحد الرومان، وكان يُدعى "سابور"، عندما شاهد السيد "المسيح" يركَب جحشـًا، قُدِّم إلى اليهود المرافقين حِصانـًا ليركِّبوه عليه بدلـًا من الجحش. ولٰكن أجابه أحد اليهود فى شدة بأن كل خيوله هى أقل قدرًا فى نظرهم من ذٰلك الحيوان الذى سيركَبه السيد "المسيح"!! فـ"إبراهيم" أبو الآباء ركِب جحشـًا من قبل وهو ذاهب ليقدم ابنه ذبيحة، وكذٰلك "موسى" النبى ركِب هٰذا الحيوان. عندئذ انصرف عنهم ذٰلك الرجل الرومانى مندهشـًا.
إن منطق القوة والضعف يختلف كثيرًا فى الأرض عنه فى السماء. وفى الحياة، من يعتمد على الله تكون له القوة الحقيقية التى يمكنها أن تهُز العالم. فكما قال أحد الآباء: "ليس أقوى من الذى يتمتع بالعَون السمائى، كما إنه ليس أضعف من الذى يُحرم منه".
لقد استقبل "السيدَ المسيح" عددا كبيرا من الشعب، واحتفَوا به ملكـًا متوجـًا، مع أنه لم يكُن له عرش أمامهم؛ وفى هٰذا يذكر لنا "يوسيفوس" المؤرخ اليهودى المشهور أن الشعب الذى كان فى أورُشليم، عند دخول "السيد المسيح" إليها، راكبـًا على جحش ابن أتان، كان يقارب عدد أفراده المليونين ونصف المليون نسَمة، جاؤوا من كل مكان ليحتفلوا بالفصح فى الهيكل، وقد بلغ هتافهم العَنان، وكانوا يهتفون: "أُوصَنّا فى الأعالى، يا ابن داود"، "مباركٌ الآتى باسم الرب".
أهنئكم جميعـًا بـ"عيد الشعانين" أو "عيد أحد السعف"، متمنيـًا كل الخير، وبركة لكم كلكم، ولبلادنا مِصر.
• الأسقف العام رئيس المركز الثقافى القبطى الأُرثوذكسى.