غضب الكثيرون لأن ذكرى تحرير سيناء مرت دون ذكر للرئيس الأسبق حسنى مبارك، وجهوده فى تحرير سيناء، سواء بقيادة القوات الجوية فى حرب أكتوبر، أو بأنه الذى تسلّم سيناء ليجنى ثمرة ما زرعه سابقه الرئيس السادات، صاحب الفضل الأول بعد الله فى تحرير سيناء حربًا وسلامًا، دون ذكر جهود مبارك فى مفاوضات طابا الصعبة التى توجها فريق المفاوضات والتحكيم الدولى المصرى البارع بتسلّم آخر بقعة من أرض سيناء وتحريرها من الجيش الإسرائيلى الذى لا يحب النزوح عن أرض الغير أبدًا. وقد كان جلاء إسرائيل من سيناء هو يوم الحزن والعويل للشعب الإسرائيلى الذى كان يعرف قدر سيناء دينيًا وتاريخيًا واقتصاديًا وسياسيًا وتنمويًا، فى الوقت الذى لم يعرف ذلك كله أصحابها الأصليون. وإذا كانت إسرائيل قد استغلت فترة السلام لتتحول إلى أقوى دولة فى المنطقة عسكريًا واقتصاديًا وزراعيًا وصناعيًا وتكنولوجيًا، فإن مصر طوال عهد مبارك لم تحسن استغلال السلام لبناء دولة مصرية ديمقراطية قوية وفتية وعفية تتفوق على إسرائيل، وتركت معظم سيناء صحراء جرداء، واهتمت ببقعة صغيرة منها هى منطقة «شرم الشيخ» التى أبدعت العناية بها، تاركة باقى سيناء فى ظلال النسيان والإهمال.
وأنا مع عدم إقصاء أحد من التاريخ، لأنه ثابت لا يتغير، ولا يستطيع أحد أن يقصى أحدًا من التاريخ، أو يحذف دوره مهما فعل، ولا ينبغى نسيان فضل أحد فى أمر، حتى إن كان أساء فى أمور أخرى، ولو كنت مكان الرئيس الأسبق مبارك لتفكرت فى هذا الإقصاء الذى حدث وعشت بقلبى مع قول الصوفية «من صفى صُفى له، ومن كدر كُدر عليه، ومن أحسن فى ليله كُوفئ فى نهاره، ومن أحسن فى نهاره كُوفئ فى ليله»، ولو كنت مكانه لتذكرت أننى فعلت نفس الإقصاء مع آخرين فى السياق نفسه الذى يحدث معى، فقد أقصى مبارك معظم رجال السادات، وهمّ أن يسجن زوجته لولا الفيتو الأمريكى الذى منعه من ذلك، وأقصى الفريق سعد الدين الشاذلى، الرجل الثانى فى حرب أكتوبر، رئيس أركان الجيش المصرى وقتها، وحذف صورته وهو فى غرفة العمليات ظهيرة السادس من أكتوبر، كأنه يظن أن حذف صورته ستحذفه من التاريخ، كما أقصى كل أبطال أكتوبر، فلم يذكر الإعلام أو يثنى فى زمنه إلا على الضربة الجوية، مع أن كل من يعرف ألف باء فى العسكرية يدرك أن القصف الجوى هو للإسناد فقط، وأن حسم المعارك يأتى أصلاً من القوات البرية بأنواعها المختلفة.
ولو كنت مكان مبارك لتفكرت فى تاريخ الإقصاء السياسى فى مصر كلها، وكيف أقصى الخديو توفيق والده الخديو إسماعيل الذى أخرجه الإنجليز من الحكم كرهًا، ووضعوا ابنه مكانه، فإذا بالأب يرضخ لابنه الذى عزله ويقبل يده فى خنوع لا يليق ببانى مصر الحديثة لابنه الذى باع مصر بعد ذلك للإنجليز. وكيف أقصى جمال عبدالناصر محمد نجيب بعد أن استنفد الثوار أغراضهم منه، وظلت كل الكتب المدرسية التى تدرس التاريخ تكذب وتكذب، مدعية أن عبدالناصر هو أول رئيس لجمهورية مصر دون ذكر محمد نجيب أو الإشارة إليه، وكأنه شُطب من تاريخ مصر، ولم يعزله ناصر من الحكم فحسب، بل حدد إقامته فى القاهرة أولاً ثم فى بيت فى طما فى الصعيد لا يصلح لإقامة الحيوانات. وعلى مبارك والجميع أن يتفكروا كيف أقصى ناصر الملك فاروق حتى شطب صوره فى الأفلام بطريقة فجة، وكيف حذف كل ما يتعلق بسعد زغلول وثورة 19 حتى لا يذكر الناس ثورة غير ثورته، وكأن التاريخ بدأ به وسينتهى به دون أن يتفكر أن التاريخ والحياة يمكن أن يسعا الجميع، وأن التاريخ لا يستطيع أحد أن يشطب الآخرين منه، وأنه سيتعرض لنفس المأساة المؤلمة. وجاء السادات فألغى كل ذكر وحسنات عبدالناصر، وأراد ألا يذكر شيئًا عنه فى عهده، وجاء مرسى فاحتفل بذكرى حرب أكتوبر مع الإسلاميين دون أن يحضر أبطال أكتوبر الأحياء وقتها، رغم أنهم كثر حتى الآن، كأنه هو الذى صنع هذا النصر، واليوم لا يذكر أحد أن مرسى حكم مصر، أو يذكرون له حسنة واحدة، كأنه سقط من التاريخ.. إنه تاريخ طويل من الإقصاء يبدو أنه لن ينتهى.
مشاركة
اضف تعليقاً واقرأ تعليقات القراء
مشاركة
لا توجد تعليقات على الخبر
تم أضافة تعليقك سوف يظهر بعد المراجعة