لا يفوت الرئيس عبدالفتاح السيسى فرصة إلا ويتحدث عن ضرورة تجديد الخطاب الدينى، ولست أعلم يقينا، هل هذا الطرح يحمل جدية فى طياته؟ لأنه إن كان طرحا جادا فوجب اتخاذ خطوات، ودراسة الأمر بشكل علمى، بعيدا عن التلاسن والمساجلات التى يعج به الإعلام المصرى، وبعيدا عن التقدم بطلب مهذب لمؤسسة الأزهر: «لو سمحتوا جددوا الخطاب الدينى .. شكرا. سلامو عليكمو».
لا شك أن الهدف الدائم من وراء الرغبة فى تجديد الخطاب الدينى هو إحداث نهضة فكرية تساعد على التقدم والتحضر. ولا شك أن كليهما، أى التقدم والتحضر، لا يتحققان بالمال الوفير، وإلا لتمكنت بعض دول العالم الثالث التى وصل بها الأمر أنها «تعانى» من الوفرة الاقتصادية، من تحقيقهما، لكن هذه الدول لم تحقق أى تقدم، مثلها فى ذلك مثل شخص أمى يمتلك أموالا كثيرة، فهذا لا يجعله من الصفوة أو النخبة. ما يحقق التقدم حقا هو النهضة الفكرية. والنهضة الفكرية تنبنى بالأساس على رؤية المجتمع للإنسان وحقوقه، وأهم عنصر من عناصر هذه الرؤية، هو تعامل المجتمع مع المرأة.
الحقيقة إن مفتاح التقدم، أو النهضة الفكرية، أو تجديد الخطاب الدينى الذى طالما يتحدث عنه الرئيس، هو المرأة ووضعها فى المجتمع والقانون، وهذا يتطلب دخول معارك ليست بالهينة. فالمجتمعات المتخلفة، الغنى منها والفقير، تؤمن بضرورة ممارسة القهر والسطوة على المرأة، بدعاوى عدة: التقاليد، العرف، وأهمها الدين. سلاح الدين فى قهر المرأة هو السلاح الأنجع، فهو السلاح الذى عبره يتم تدجين المرأة لقبول القمع: كلام ربنا.. اعترضى بقى، أنت عايزة تكفرى؟
وبسبب إن المرأة فى المجتمعات المتخلفة مقهورة، فهى حرفيا ليس لها سوى الله، ومن ثم فهى لا تريد أن تغضبه، فتجدها بقوة تدافع عن قهرها واستعبادها، خوفا من غضب الله عليها. هذا القمع المركب لا يخلق أمة محترمة ولا متحضرة، فمن يسهل عليه الإساءة إلى أمه وزوجه وأخته، يسهل عليه انتهاك وطنه، ويكون الظلم والقهر هو عنوان الرجولة والفحولة، فالرجل «الدكر» يقتل زوجته أو أخته أو ابنته حين يشك فى سلوكهن، والمحكمة تقضى بإيقاف تنفيذ العقوبة، والرجل الدكر، حين يغضب، يلقى بيمين الطلاق على زوجته، «عشان ما تتعوجش عليه»، والرجل الدكر، يتدخل فى حياة أخته وملبسها ومن تختار من صديقاتها، والرجل الدكر يمزح مع زوجته مزاحا لطيفا جدا: حاتجوز عليك. والرجل الدكر يمكن أن يستغل حقا يعطيه له القانون بموجب المتعارف عليه من الشرع: الطلاق الغيابى، الرد الغيابى، الزواج بأخرى وإعلام «الجوال» التى تجلس فى منزلها بعد أن يتخذ قراره بما فعل.
سحب هذه السلطات المطلقة من الرجل فى المجتمعات المتخلفة يثير الغضب العارم، فهو فى النهاية شخص مقهور، يريد أن يجد ضحية يمارس عليها الإذلال حتى يشعر بأهميته، وقد يثير غضب كثير من النساء لأنهن تعلمن منذ الصغر أن عليهن الرضا بهذه الانتهاكات حتى يرضين الله. لكن امرأة تشعر دائما بالقلق لأن مستقبلها ومستقبل أولادها معلق بلسان رجل - فى الغالب قليل العقل - وبإنها مهددة دوما بزواج زوجها من أخرى، أو بإنها أثناء قيامها بطهى الغداء قد يطرق الباب عليها شخص لا تعرفه ليخبرها بإن زوجها طلقها، أو أنه بعد ما طلقها قد ردها دون إذنها، الشعور الدائم بالخوف على المستقبل، والقلق مما قد يقوم به الرجل حين يغضب، هذه الأم لا تنتج أبناء أسوياء، ومن ثم فليس من المنتظر أن نتعامل مع مجتمع سوى، مؤهل لتحقيق أى تقدم طالما أن المرأة ترزح تحت نير اجتهادات دينية، أحدثها كان منذ خمسة قرون.
تم أضافة تعليقك سوف يظهر بعد المراجعة