لا أخفى سعادتى بقرار الدكتور منير فخرى عبدالنور، وزير الصناعة والتجارة، بوقف استيراد السلع والمنتجات ذات الطابع الفنى الشعبى، والفلكلور الوطنى، والنماذج الأثرية لجمهورية مصر العربية، فقرار كهذا من الممكن أن يسهم بشكل كبير فى تنمية صناعة «الحرف التراثية» وتحويلها من مصدر لاستنزاف العملة الصعبة إلى مصدر لتوفيرها، كما أن للقرار بعدًا آخر هو البعد البعد الثقافى الذى أعتبره البعد الأهم فى القضية، فالمشغولات التى يتم بيعها فى الأسواق السياحية كخان الخليلى وغيره ليست سلعًا عادية ليتم استيرادها والاتجار بها على هذا النحو، لكنها تحمل بصمات الفن المصرى، وتسهم بشكل كبير فى بناء الهوية المصرية وتشكيلها، ولهذا فإن قرارًا كهذا من الممكن أن يسهم بشكل كبير فى الحفاظ على الهوية من ناحية، وتنمية العائد الاقتصادى من ناحية أخرى.
لما سبق فإننى أعتبر إصدار «عبدالنور» هذا القرار «شجاعة وطنية»، لكن لى بعض الملاحظات على كيفية إصدار القرار وتوقيته، فأزمة الحرف الأثرية ليست فى إنها «مستوردة»، إنما- للأسف- تحيط بهذه الصناعة عدة عراقيل قاتلة، منها ضعف الذوق الفنى لصانعى الحرف الأثرية الآن، وعدم إجادتهم عمل المنتجات التراثية بالكفاءة التى نرجوها، ومنها أيضًا عدم وجود أسواق ومنافذ بيع لهذه المنتجات سوى فى الأماكن السياحية، وبالتالى ستظل السوق محكومة بحركة السياحة المتذبذبة، فى حين أنه من الواجب علينا أن تصبح هذه المنتجات فى كل بيت مصر، ومنها أيضًا أن العديد من المنظمات والمؤسسات التى كانت تمول عملية تدريب وتطوير هذه الحرف هجرت مصر بعد الثورة، والتضييق الأمنى على منظمات المجتمع المدنى، وهو ما أدى إلى غلق الكثير من الجمعيات الأهلية المهتمة بهذا المجال.
لا أريد هنا أن أضع العراقيل أمام هذا القرار الشجاع، لكننى فقط أريد أن أنبه إلى خطورته وأهميته، وإننى أدعو الوزير منير فخرى عبدالنور إلى تبنى ما اقترحته فى هذه الزاوية من ضرورة عمل مبادرة «كشك الهوية»، والتى كتبت عنها فى هذا المكان فى 14 مارس الماضى تحت عنوان «مشروع كشك الهوية»، ودعوت فيها إلى عمل أكشاك هدايا فى الشوارع والميادين، وتخصيصها لبيع المنتجات التراثية فحسب، كما أرجو أن تشكل وزارة الصناعة لجنة من كبار الفنانين التشكيليين المهتمين بهذا الأمر لتطوير هذه الحرف وتنميتها، وإعداد كوادرها، بحيث يصبح قراره هذا فاتحة خير لمصر وشعبها وهويتها.