لكل سلطة حاكمة تذكرة ذهاب وعودة، تأتى بواحدة وترحل بالأخرى، وما بينهما يبقى دوما أثر لا يزول، إنجاز ما، موقف وطنى، قرار تاريخى يربط الرئيس بميثاق غليظ فى أذهان شعبه، بعض الناس ترى الأولوية فى ذلك لمشروع اقتصادى أو قرار حربى أو تطور فى البنية التحتية لمنح الناس حياة أفضل، وبعضهم يعلمون أن مبارك فعل كل ما سبق، شارك فى حرب مجيدة، وملأ شوارع مصر بالكبارى والكثير من محطات الصرف، ولكن أثرا من ذلك لم يمكث فى صدور الناس، ولم يصمد أمام سهام النقد، وحده الأثر الفكرى لمشروع صغير أو هكذا يظنه البعض بقى فى حيزه الطبيعى كمشروع مهم، كلما جاء ذكره رد الناس بأنه ربما يكون الحسنة الوحيدة لمبارك وزوجته.. مكتبة الأسرة.
اختلف مع سوزان مبارك كما تشاء، هى كانت لعنة أصابت جسد هذا الوطن، ولكنك ستتوقف عن ذكرها بسوء حينما يأتى الحديث عن مكتبة الأسرة، مشروعها الذى بدأ فى عام 1994 كمشروع لنشر الثقافة فى كل بيت مصرى بأربع سلاسل تزايدت حتى وصلت إلى 16 سلسلة ثقافية بين الأدب والفكر والعلوم الاجتماعية والتكنولوجيا والفنون والتراث والطفل.
ذهب كل ما فعلته سوزان وزوجها جفاء مثله مثل الزبد، ومكث لها فى الأرض ما فعلته ونفع الناس حتى وإن لم تكن تهدف إلى ذلك، فهل حان الوقت لأن تستثمر السلطة الحالية فى مشروع فكرى أو حضارى بعد أن أبهرت الجميع بخطواتها الثابتة فى المؤتمر الاقتصادى؟ سيادة الرئيس، تحتاج مصر إلى مشروع ثقافى جديد، مشروع يهدف إلى إحياء روحها الفنية والثقافية وقوتها الناعمة التى تلفظ أنفاسها الأخيرة، مشروع لإحياء تلك المناطق التى أصابها الترهل وخملت وأصبحت على حافة الموت، فى مصر العديد من المتاحف والمناطق تحتاج إلى من ينفخ فيها الروح من جديد، لكل متحف منها حكاية، ولكل متحف منها قدرة على إحياء قيمة ما تفقدها مصر. أمام عينى كل صباح مشهد يثير الفزع والحسرة، أقف لتأمل المتحف الزراعى المصرى فى منطقة الدقى وقد تحول إلى خرابة. فى الوقت الذى تحتاج مصر لإحياء روحها الزراعية من أجل مشروع المليون فدان، تمكث الآلاف من المخطوطات الزراعية بلا فائدة داخل هذا المتحف المهجور، وفى الوقت الذى تحتاج مصر إلى إحياء روح التعليم الفنى وإقناع أولادها بأهمية الزراعة والحرف تصدمك جثة المتحف الزراعى الذى يعتبر ثانى أهم مكان متخصص فى «الزراعة» بعد المتحف الزراعى فى «بودابست».
مصر تحتاج إلى هذا المشروع يا سيادة الرئيس، مشروع نفخ الروح فى كل هذه الأجساد الميتة، حتى تستطيع بدورها إيقاظ الميت من قيم وأحلام، المتحف الزراعى ليس وحده، بل يوجد غيره العشرات، مثل متحف النوبة والمتحف الجيولوجى وعشرات المزارات المصرية الأصيلة التى يجب أن تنتفض الدولة لإحيائها وتحويلها إلى قبلة إجبارية لطلبة المدارس، بالإضافة إلى انتفاضة أخرى لنفخ الروح فى مئات الجثث الهامدة بالمحافظات وتحمل اسم قصور الثقافة، هذا هو مشروعك يا سيادة الرئيس، إن أردت التنمية فأيقظ أصولها الكامنة فى تلك الأماكن المهجورة، وإن أردت مواجهة التطرف فأيقظ قواك الناعمة المتجسدة فى قصور ثقافية يأكلها صدأ النسيان.
مشاركة
اضف تعليقاً واقرأ تعليقات القراء
مشاركة
اضف تعليق
تم أضافة تعليقك سوف يظهر بعد المراجعة
عدد الردود 0
بواسطة:
أحمد
والله الرئيس غلبان معانا
عدد الردود 0
بواسطة:
حائرة
وبماذا تفيد المكتبة بعد اهمال التعليم والمعلم لسنوات طويلة ؟
عدد الردود 0
بواسطة:
اكرامى
رئيسك انت
رئيسك بيستثمر عند اقاربه فى اسرائيل
عدد الردود 0
بواسطة:
محمد الدستوري
المدعو صاحب التعليق رقم 3
عدد الردود 0
بواسطة:
رجعت ريما "الدوله" لعادتها القديمه
حركه المحافظين التى أخذت 6 شهور كشفت أنه مفيش فايده "مع كل الأحترام للرئيس"
عدد الردود 0
بواسطة:
4
الى2