وكأن البرلمان القادم غنيمة حرب يجب توزيعها على المنتصرين، ضغوط وتهديدات واجتماعات وكروت فوق الترابيزة وتحتها، والكل يرفع شعار «أين نصيبى فى الكعكة»، كعكة الوطن الذى يسابق الزمن لتنفيذ الاستحقاق الثالث من خارطة المستقبل، وإذا استمر الوضع على ما هو عليه، فسوف تتحول الأحزاب المشتاقة إلى نقمة على نفسها وعلى البرلمان، لأن معظمها - إن لم تكن كلها - لا تبحث أرضية أو شعبية تجعلها تختار الاحتكام إلى أصحاب السادة الناخبين، وتفضل الاحتماء بالقوائم التى هى فى حكم التعيين.
وإذا كنا نتحدث عن برلمان 2010 باعتباره الأسوأ فى تاريخ مصر، والسبب المباشر لما حدث فى 25 يناير، فلا بد أن نتجنب كل الأخطاء والعيوب التى شابته، وأهمها الإقصاء والاستحواذ وسيطرة حزب واحد على كل المقاعد تحت مظلة الشعبية الزائفة، وما تفعله أحزاب القوائم الآن قريبا من أساليب اختيار المرشحين التى حدثت فى برلمان الغضب، لأن الاختيارات شخصية وانتقائية وتخضع للمجاملة والضغوط.
نحن الآن نعيش لحظات فارقة، ومصر التى نبحث عنها لم تخرج من دائرة الخطر، وما زالت محاصرة بالأزمات والتحديات، وتتربص بها فى الداخل جماعة إرهابية، تنتظر الفرصة للعودة إلى المشهد السياسى ولو من خرم إبرة، ولا تزال كوادرها السرية والعلنية نشطة وتتحرك فى كل مكان، ويؤازرها لوبى كبير من السياسيين الذين حولوا دفتهم إلى الإخوان فى فترة حكم المعزول، وهؤلاء - دون ذكر أسماء - هم الأخطر، ويبثون أفكارهم التحريضية السامة تحت شعارات سياسية براقة، ويمارسون العداء الخفى فى وليمة القوائم والترشيحات، وتتبنى للدعوة لنسف قانون الانتخاب الحالى، وإعداد قانون جديد–رغم أنف الدستور- يعطيهم أكبر قطعة من الكعكة، حتى لو كان الثمن هو تعطيل الانتخابات إلى ما لا نهاية، والدخول فى دوامة عدم الدستورية.
كنت أتمنى أن تكون الانتخابات فردية مائة فى المائة، وأن تختبر الأحزاب قوتها وصلاحيتها عبر الصناديق وليس القوائم، فهذا يساعدها على التدقيق وحسن الاختيار والبحث عن أصحاب الشعبية الحقيقية، والبعد عن الهياكل الكرتونية ذات الشعبيات المضللة، ولكن ما دام الدستور قد حدد نظام القوائم فى البرلمان القادم كفرصة أخيرة للأحزاب، كى تحصل على تمثيل قانونى أقرب إلى التعيين، فعليها أن تعمل قاعدة «إنكار الذات» وتفسح قوائمها لأغلبية من الشباب المؤهل للمستقبل، حتى يكونوا سندا ودعما فى إعادة بناء أحزاب حقيقية وضخ دماء جديدة فى عروقها.
البرلمان القادم يجب أن يولد بسرعة، وأن يكون على مستوى التحديات والأحداث التى تعيشها البلاد، فهو ليس برلمان الباحثين عن الحصانة والوجاهة والبرستيج والمنافع والمزايا، ولكنه برلمان العبور إلى المستقبل، وفى رقبته إنجاز قوانين وتشريعات تعضد الدولة وتقوى شأنها وتقف فى ظهرها، فلا يكون معوقا ولا جدليا ولا نائما فى العسل، بل يرسخ مفهوم الدولة القانونية ويعظم تراثها التشريعى، لأن مصر لن تتقدم ولن تخطو للأمام وهى مكبلة بقوانين وأضابير عفا عليها الزمن، وموروثات من أنظمة ملكية واشتراكية زالت من الوجود، ولكن لا تزال تتحكم فى الحياة السياسية والاقتصادية والاجتماعية.