مشكلة مصر أنها تأخذ من الأنظمة الاقتصادية أسوأ ما فيها، أخذت من الاشتراكية إهدار قيمة العمل، وفتونة النقابات المهنية، والبطالة المقنعة، ومن الرأسمالية الاحتكار والجشع والاستغلال، والاشتراكيون بتوع زمان هم أنفسهم «رأسماليين» اليوم، ومعهم حفنة من السياسيين الذين تقلبوا من أقصى اليسار لأقصى اليمين، ولم نأخذ نظاما «على بعضه»، بل سلخت كل فئة من النظريات والقوانين ما يخدم مصالحها وأهدافها، حتى وصلنا إلى ما نحن فيه الآن، وكلما أرادت الدولة أن تتدخل لحماية الفقراء ومحدودى الدخل، أو لضبط الأسواق وتحجيم انفلات الأسعار، تصدى لها منتفعو كل الأزمنة والنظريات، ورفعوا فى وجهها فزاعة الاقتصاد الحر.
مخطئ من يتصور أن الرأسمالية المطبقة فى بلادنا هى نفسها الرأسمالية المعمول بها فى البلاد التى اخترعتها، فعندهم لها جناحان حتى تتوازن وتطير وترتفع، الأول هو إطلاق العنان لرجال الأعمال والمبادرات الفردية، والثانى إحاطتها بقواعد صارمة حتى لا تنقلب إلى رأسمالية متوحشة، فالاحتكارات والغش والاستغلال من المحظورات، بجانب إجراءات حمائية تضبط هوامش الربح - فلا تباع السلعة التى تتكلف عشر جنيهات بمائة جنيه–وتطلق عنان المنافسة، وغير ذلك من إعانات البطالة والتأمين الصحى المحترم، فهى مجتمعات تعيش الوفرة وليس الندرة، وتحترم القوانين ولا تتحايل عليها.
فى بلادنا «خوفونا» بفزاعة الاقتصاد الحر، فأصبحت الرأسمالية بقرة مقدسة، لا يجوز لمسها أو الاقتراب من أصحابها، وفى أعتى البلدان الرأسمالية تجلس الدولة على عجلة القيادة وتستخدم أسلحتها فى توجيه النشاط الاقتصادى، وحماية السواد الأعظم من الشعب، وليس العمل من أجل فئة أو جماعة.
كبر خدعة اخترعها «مدلسى» الاقتصاد الحر فى عهود سابقة، كانت تقول: إن عائد التنمية عندما يتراكم سوف يصعد لأعلى، ثم يهبط مرة أخرى لتستفيد منه الطبقات الفقيرة، ولم يشعر غالبية الناس بثمار التنمية التى وصلت معدلاتها إلى %7 منذ بداية عام 2000، لأنها صعدت لأعلى فى جيوب الأثرياء والرأسماليين، ولم تهبط أبدا لأسفل لمحدودى الدخل والفقراء، مرحبا بالاقتصاد الحر الذى أصبح انتقاده أكثر خطورة من الإلحاد وازدراء الأديان، ولكن طبقوه كما أُنزل فى بلاده، بقسوته ورحمته، بمزاياه وضوابطه، بانحيازه وعدالته، والله يجازى اللى كانوا السبب.