نجح الرأى العام هذه المرة، لأن القضية عادلة، اتفق الخصوم جميعا على وزير يميز بين الناس ويعتقد أن مهنته تخص أناسا بعينهم ولا يجب أن يمتهنها غير الصفوة، هو أهان كل البسطاء وليس الزبالين فقط، استقال وزير العدل أو أقيل لأن الشعب أقوى وأنضج من الحكومة، ولأنه خاف على الكرامة الإنسانية التى ثار من أجلها، السادة القضاة ليسوا مقدسين، هم يقومون بعملهم النبيل كما يقوم المدرس والطبيب بعمله النبيل، والاستعلاء الذى يتعامل به بعضهم هو الذى أضر بصورتهم النقية فى الوجدان، الوزير المستقيل كان صادقا وهو يتحدث عن ضرورة عدم منح ابن الزبال فرصة العمل فى القضاء، ولم تكن تصريحاته زلة لسان، هو عبر عن شريحة كبيرة تدير البلد وتنظر إلى الفقراء على أنهم عبء وليسوا أهل ثقة، وأنهم لا يصلحون لتولى مناصب حساسة، كسب الرأى العام هذه الجولة ولكنه لم يكسب المعركة لأن الانتصار للفقراء يحتاج وقتا، الوزير المستقيل كان يتحدث بعفوية نيابة عن الأوصياء الذين لم يتعلموا من درس ثورة يناير، والذين يضغطون على الفقراء ماديا ومعنويا بقسوة، يقررون نيابة عنهم، هم يعرفون قدرهم فقط فى الحروب التى تحتاج رجالا يفهمون فى التضحية وحب الوطن، ولكنك إذا طالبت برعايتهم صحيا أو حلمت بتعليم أطفالهم تعليما محترما، أو طالبت بكوب ماء نظيف لهم، يقولون لك إن هناك أولويات، نعرف أن تحقيق العدل على أرض الواقع صعب، لأن النخب التى توزع المناصب والأراضى وصكوك الوطنية لم تتغير، وتعتبر نفسها فوق الجميع، لأنها لم تصغ إلى أحلام الناس كما ينبغى، تضحية الحكومة بالوزير الصادق مع نفسه ليس حبا فى الفقراء، هى سابقة مهمة لا شك، ولكن هذه الحكومة التى تستعد لرفع الدعم وغير قادرة على علاج وتعليم مواطنيها أو تنفيذ الحد الأدنى للأجور، تريد أن تبعث رسائل إلى الناس أنها لا يرضيها ما قاله وزير فى حقهم، استقالة الوزير لا تعنى أن الفقراء فى مصر انتصروا.