لم تكن تصريحات وزير العدل محفوظ صابر عن رفض أبناء عمال النظافة و الفقراء منشئة لوضع اجتماعى بائس يفرق بين المواطنين، لكنها كانت تصريحات كاشفة عن واقع يحتاج حلًا يعيد أهم مبادئ العدالة، وهو تكافؤ الفرص، وليس الفقراء وحدهم بل حتى الطبقة الوسطى لا نصيب لهم فى الوظائف المهمة. والتوريث يمتد فى كل المجالات، هناك مصالح حكومية أرست مبادئ التوريث للأبناء، بالرغم من أنه لا يوجد قانون أو عرف، فليس القضاة وحدهم الذين يورثون أبناءهم، التوريث بالجامعات والخارجية والبنوك والشرطة، وكل المؤسسات السيادية.
المفارقة أن من أوقف حق أبناء الفقراء هم أنفسهم أبناء فقراء وفلاحين وعمال، تصوروا أن صعودهم ينقلهم إلى طبقة أعلى لمجرد أنهم غادروا مجتمعهم، وهى مفارقة لم تكن موجودة لدى أجيال كانت المناصب للأكثر تفوقًا وخبرة. وتعرف أجيالنا قصصًا عن الوساطة، وكيف كانت تطيح بأحلام المتفوقين لصالح أبناء الأساتذة والكبار وأصحاب النفوذ، مع أن تكافؤ الفرص ساعد فى تجديد النخبة ودماء الخبرات والمواهب، وجعل هناك مكانة للتفوق والمنافسة، لكن كل هذا انهار منذ بدأت عمليات التوريث، وكانت هذه أحد أسباب الغضب الشعبى.
وقد تحققت القفزات الكبرى فى تحديث مصر على أيدى أبناء الطبقة الوسطى والفقراء، سواء فى عهد محمد على، أو جمال عبدالناصر الذى اعتمد على خبرات شباب كانوا عائدين من بعثات بالخارج، وساهموا فى التصنيع والبناء والمشروعات الكبرى.
وزير العدل وغيره ممن يؤمنون بالتوريث اتفقوا فيما بينهم على أن لهم حقوقًا فوق حقوق المواطنين، مع أن بعضهم حصل على موقعه بتكافؤ الفرص، وهم أبناء فقراء متفوقون.. ألغوا المبدأ، أو اشتروا المناصب، وإذا كان الجميع متساوين فى ضريبة الدم، والدفاع عن الوطن فلهم الحق فى التعليم والوظائف.
وربما تكون هذه فرصة لنعترف بأمراض فى المجتمع والدولة، ليست فقط فى القضاء، إنما فى كل مجال، ونحن فى حاجة لقواعد تنهى الامتيازات، ومن حق كل من يتقدم لوظيفة أو منصب أن يعرف لماذا قبل، ولماذا يتم رفضه، ونعرف أن الامتيازات والوساطة والمحسوبية لا تنتزع فقط حق المواطنين، لكنها تدمر النخبة وتمنع التجديد.