ما قاله وزير العدل المستقيل المستشار محفوظ صابر عن عدم أحقية ابن الزبال فى الوصول إلى منصب القضاء ليست فكرة الرجل وحده ولكنها فى الحقيقة فكرة القطاع الأكبر والأوسع من زملائه وقرنائه وتلاميذه.. وهو لا ينشأ بهذا القول واقعاً جديداً.. ولكنه يفصح عن الموجود فى الواقع والعقول.. وقد يكون أصرح من غيره وأوضح من آخرين ينطقون هذه المعانى ويطبقونها فى الواقع ويقولون فى الإعلام والمحافل شيئاً مخالفاً يرضى البسطاء.
والمشكلة ليست فى قول الوزير فحسب.. ولا المشكلة ستحل باستقالته أو إقالته.. رغم أن إقالته شىء جيد ومفيد للنظام.. فالمشكلة أعمق من ذلك بكثير.. فإذا بقى الوزير فى مكانه أو أقيل أو استقال من منصبه فكل ذلك لن يغير شيئاً من الواقع المرير الذى تحياه مصر منذ فترة. وهذا الواقع يتلخص فى عدة أزمات أهمها أزمة توريث الوظائف للأولاد والأقارب غير المستحقين.. إنها أزمة «الطبقات الاجتماعية المغلقة».. فالفلاح سينجب فلاحين.. والميكانيكى سيكون أولاده كذلك.. والقضاة سيرثون مهنتهم ويداولونها بين أسرهم.. والضباط كذلك وأساتذة الجامعة وخاصة الطب كذلك.. والكهرباء والبترول والبنوك مغلقة على أهلها والجمارك والضرائب كذلك وكأنهم ورثوها كابراً عن كابر.. فلا ابن الزبال سيصل القضاء ولا ابن غيره من الوظائف البسيطة أو المتوسطة مثل المدرس والناظر والمحاسب وغيره مالم يكن له ظهر آخر قوى يستند عليه.. وابن الزبال وابن المدرس والناظر والقاضى والضابط لن يكون أستاذا فى كلية الطب مادام فيه منافسة على هذا المنصب مع ابن أستاذ فى الكلية.. فأستاذية الطب تورث كابراً عن كابر حتى لو كان ابنه غبياً و«أيده طرشة وزى الزفت فى الجراحة».
لقد ابتليت مصر منذ أواسط عهد مبارك بسوءتين عظيمتين هما: توريث الوظائف.. وكذلك بيع الوظائف الحكومية والمتاجرة بها، حتى إذا هلت ثورة 25 يناير بدأ الفقراء وذوو الكفاءات الجيدة يشعرون بالأمل فى الحصول على حقوقهم دون رشوة أو وراثة.
ولكن « يا فرحة ما تمت « فقد انفض الفرح سريعاً ثم فوجئوا بأن توريث الوظائف عاد بقوة أكثر من الأول وأن الرشاوى عادت بقوة وكأن شيئاً لم يتغير فى مصر وكأن كل منا عاد أدراجه سريعا إلى ما اعتاد عليه أو عاد إلى المربع «صفر» مرة أخرى.
إن ما قاله الوزير المستقيل يقوله ويفعله أيضاً أساتذة الطب من أن أبناءهم هم الأحق بكرسى الأستاذية حتى لو كانوا فى منتهى البلادة والخمول.. فهناك أساتذة فى الطب دمروا تلامذتهم النجباء بالكبر والصلف فى الوقت الذى أعطوا أبناءهم وأقرباءهم الدكتوراة بغير بحق فى منتهى اليسر والسهولة، إن تصنيف قدرة الناس على العطاء فى الأماكن الحساسة بحسب آبائهم يعد تصنيفاً ظالماً.. فكم من نبى صالح أو ولى زاهد أنجب أبناءً كافرين أو فاجرين أو فاسدين.. وكم من أناس بسطاء أنجبوا عباقرة، ألم يكن والد محمد نجيب أول رئيس للجمهورية فى مصر مزارعاً.. وكان محمد نجيب من الأبطال العظام فى حرب 1948، ألم يكن والد جمال عبدالناصر وهو من هو فى الصلابة والقوة موظفاً بسيطاً بالبريد.. ألم يكن والد أنور السادات أذكى رؤساء مصر يعمل كاتباً بسيطاًً بالمستشفى العسكرى بالسودان.. ألم يكن آباء العقاد وطه حسين ومحمود حسن إسماعيل وهاشم الرفاعى والأبنودى وفاورق شوشة وجويدة والكنيسى والحديدى أناسا بسطاء أو موظفين أو مدرسين.. ألم يكن والد حسنى مبارك حاجباً فى محكمة؟!!! ألم يتولى زيد بن حارثة إمارة جيش الرسول صلى الله عليه وسلم وهو من الموالى وكان عمر بن الخطاب والصديق تحت إمرته.. وقاد ابنه أسامة بن زيد هذا الجيش بعده.. ألم يكن معظم علماء أمة الإسلام العظام من الموالى.
قد يكون الإنسان من أصول فقيرة ولكنه متزن نفسياً ومستقر وجدانياً ومعتدل إنسانياً وعادل حتى مع أحبابه فلا يعطيهم فوق حقهم ومع خصومه فلا يبخسهم حقهم، وهناك من نشأ فى أسرة غنية ولكنه اعتاد شرب الخمر أو معاقرة المخدرات أو الزنا أو هضم الناس حقوقهم أو ممن يركن إلى جاه أسرته ومالها فلا يهتم بعمل ولا بذل ولا علم ولا عطاء، إن مشكلة المشاكل التى يعانى منها الإنسان فى كل زمان هى مشكلة ضعفه أمام ابنه.
مشاركة
اضف تعليقاً واقرأ تعليقات القراء
مشاركة
لا توجد تعليقات على الخبر
تم أضافة تعليقك سوف يظهر بعد المراجعة