السفير البريطانى فى مصر جون كاسون لم ألتقه أبدًا، لكننى أتابعه على موقع التواصل الاجتماعى تويتر، فهو يضع صورته ليس مع ملكة بريطانيا، أو ولى عهدها تشارلز، ولا مع لوردات بريطانيا، بل مع مجموعة من أطفال مصر الفقراء، كما يبدو عليهم، وهو يقف بينهم ضاحكًا وهم كذلك.. هذا السفير لبلاده لا يكتب على موقعه منذ حضر إلى مصر إلا كل كلمة جميلة عن هذا البلد، ويلف البلاد شرقها وغربها، شمالها وجنوبها، ويلتقط صورًا ويعلق عليها قائلاً عبارات، مثل: لهذا أحب مصر الجميلة، أو كم يمكن أن تستمتع على مقهى فى شوارع قنا، وهكذا من مدينة لأخرى يسافر «كاسون» بين ربوع مصر، ويكتب عنها أجمل التعليقات، فلا يمكن أن تتابع هذا الرجل إلا وتشعر بحبه لبلادنا، وذلك بغض النظر عن كونه يمثل بريطانيا من خلال وظيفته التى لدينا بعض من المشكلات السياسية معها فيما يخص جماعة الإخوان المحظورة، أو غيرها من قضايا معلقة، لكن هذا أمر آخر، حدود تدخل سفير لبلاده فيه جميعنا نعرف محدوديته، لكننى هنا أشير للسفير كشخص محب لمصر كما يكتب ويقول. هذا السفير يبدو أنه تأثر ككثير من المصريين بما صرح به وزير العدل المستقيل حول عدم أحقية ابن الزبال فى التعيين فى القضاء، فكتب تغريدة على موقعه قائلًا: نرحب بعمل كل المصريين، كما نرحب بعمل ابن عامل النظافة معنا، وهو تعليق لا ينم إلا عن روح مشاركة للمصريين الذين رفضوا هذا التصريح، ولم يهدأوا إلا باستقالة الوزير على أرض الواقع، فإذا بمذيع همام يخرج ليلاً مطالبًا بطرد السفير البريطانى من مصر، لأنه- كما ذكر- يتدخل فى شؤوننا الداخلية بهذا التعليق، ويصرخ لا فض فوه بأن هذا مطلب شعبى. أيها السادة الجالسون أمام الكاميرات الرحمة شوية وقليل من الفهم لوظيفتكم، فأولاً أنتم تتحدثون بالنيابة عن أنفسكم، وليس الشعب، الله يخليكم لأن كلمة الشعب التى صارت لبانة فى حلق كل عابر سبيل كلمة مطاطة لا تعنى إلا أنكم تعتبرون أنفسكم الشعب، ثم إن السفير لم يتدخل ولا غيره، الرجل كتب تغريدة قصيرة مثله مثل ملايين المصريين، فهو لم يسب، ولم يقل وزير العدل المصرى لا سمح الله راجل وحش، ولم يقل أقيلوا وزير العدل، فقط قال نرحب بالجميع، ومن بينهم ابن عامل النظافة، كتر خيره، فهل فى مقابل ذلك نطالب بطرده. ثم أيها السادة إن طرد سفير دولة لدينا معها علاقات ليست بالهينة هو أمر لا يناقشه العوام، والأهم فلقد تعبنا من مذيعين ينصبون أنفسهم شعبًا ورئيسًا، وحاكمًا ومحكومًا، ويسيئون بالفعل لعلاقتنا بالدول، سواء عربية أو غربية، والأمثلة كثيرة وكلنا نذكرها فهى بالأمس القريب.
جون كاسون هو سفير بريطانيا، لكنه قبل هذا- وهو الأهم بالنسبة لنا- مواطن إنجليزى محب لمصر، ومروج لجمالها، ولم يتدخل فى شؤونها السياسية كمواطن، ولا حتى كسفير حين علق على ترحيبه بعمل المصريين غنيهم وفقيرهم، والأهم أن الدولة المصرية ذاتها بحكومتها استنكرت ما قاله الوزير، ودفعته للاستقالة الأشبه بالإقالة، فلم يضايقنا تعليق يسير على نفس نهجنا، طب كان هيقول إيه السيد المذيع لو خرج الرجل بتصريح مثل: العدل فى مصر مايل كحال وزيره، هل كان سيطالب بإعدام الرجل على عمود فى ميدان التحرير؟!
أيها المذيع الهمام، ويا من دشنتم هاش تاج على مواقع التواصل الاجتماعى مطالبين بطرد السفير البريطانى حنانيكم، فمصر فيها من الأزمات ما يكفى بلاد العالم، ثم إننى وملايين من هذا الشعب أيضًا نقول لجون كاسون، السفير البريطانى، أهلًا وسهلًا بك فى بلد تحبه، ويحب من يحبه، وقل ما تريد وقتما تريد وكيفما تريد مادمت تحبه.
أما حكاية التاريخ والاستعمار وحادثة دنشواى وخناقة أجدادنا واللورد كرومر فلا مجال لها هنا، وارحموا مصر يا مذيعى مصر، ويا بعض أهلها من قدرتكم على استعداء البشر ضدنا، فلدينا من الأعداء ما يكفى، وجون كاسون ليس من بينهم.