واقعيًّا: الذى يفسد جهود تجديد الخطاب الدينى هم بعض رجال الدين، حتى لا يفقدوا سطوتهم المستمدة من تعطيل العقول وإشاعة المعتقدات الرجعية التى سادت فى عصور التخلف والظلام، فالتجديد يعنى إلغاء وكالة السماء التى تمنحهم حقوقا سامية من المتاجرة بالإسلام، ويفقدهم السيطرة على الأتباع والمريدين والأهل والعشيرة، فيقاتلون سرا وعلنا حتى تظل المعركة تائهة فى «عتمة التجديد».
على سبيل المثال: لم يخرج علينا «مجدد» ليقول بصريح العبارة، إن الإسلام ليس دينا وسياسة، لأن هذا معناه عودة المشايخ إلى ثكناتهم وحصر دورهم فى الوعظ والإرشاد، ويقصيهم من مجالس الحكام والأمراء، وينفيهم فى المساجد والزوايا، ويحرمهم من غواية السيف التى هى أكثر مضاء من محاسن الوعظ، ومجالس السلطان التى هى أحسن نفعًا من أروقة العامة والدهماء.. علاوة على أن تغلغل المشايخ والوعاظ تحت جلد المجتمع وفى المحافل العامة والميديا، يمنحهم القوة والعزيمة، ويجعلهم أكثر شهرة من نجوم السينما ولا عبى الكرة.
التجديد الحقيقى: هو الذى يحطم المعتقدات المتخلفة والأفكار الخاطئة، ويعظم قيم الإسلام السامية، ويبتعد بنا عن الجدل السوفسطائى إلى جوهر القضايا المعاصرة، ويطرح الفكر الدينى الصحيح والأفكار والرؤى المستقبلية، ويزيح تراكمات التخلف والغيبوبة العقلية.
على سبيل المثال: أوقفوا بحزم وحسم استخدام سلاح الدين فى غزوة البرلمان المقبل، وقولوا للناس إن جهنم انفتحت على الصحابة والأولين حين اعتلى تجار الدين مقاعد الحكم، فقتلوا واستباحوا وفرقوا باسم الإسلام، ولم ينج صحابة رسول الله وآل بيته من المذابح، ومازالت دماؤهم الطاهرة تسيل حتى يومنا هذا، فهل يرضى حزب النور والسلفيون- مثلا- اعتزال السياسة الذى يحقق المصالح المرسلة للأمة، بينما يتهيئون لاحتلال عوش الإخوان الزائل؟
إذن: المنتفعون من «التجميد» يريحون الرئيس كلما طلب «التجديد» ويطمئنون الأمة بحلو الكلام، حتى يملوا ويستسلموا وييأسوا، ويقولون فى التجديد كلاما له لحلاوة وعليه لطلاوة مثل: «إن تجديد الدين لا يعنى تغييره أو تبديله، وإنما يعنى المحافظة عليه ليكون غضا طريا، وعودة للمنابع والأصول عودة كاملة صافية، وعودة للثبات على الحق، وترك التقليد الفاسد».