كانت زيارتى لدولة الإمارات العربية الشقيقة للمرة الأولى بمثابة إضافة مزيد من الملح على الجرح، كل شىء رصدته عينى كان أحلامى التى كم تمنيت أن تتجسد فى بلادى التى اشتقت إليها حتى قبل أن أغادرها، هناك رأيت كل شىء كما ينبغى أن يكون.
أنا هنا لا أتحدث عن الفارق فى الاوضاع الاقتصادية والمعيشة أبدا، أنا أتحدث عن نظام لا يمكن لأحد خرقه مهما كان، أتحدث عن قوانين المرور التى لا يجرؤ أحد مهما كان وضعه تجاوزها، أتحدث عن احترام الحقوق والحريات والإيمان الكامل بكل مبادئ قبول الآخر، وتعايش العديد من الجنسيات داخل الدولة دون أى مفاضلة بين إنسان وآخر، أتحدث عن احترام المرأة وكفالة حريتها والنظر إليها كنصف المجتمع الذى يلد ويربى النصف الآخر، وسألت عن عقاب من يتعرض لها بالتحرش أو حتى مجرد المضايقة فوجدته حسابا عسيرا.
أتحدث باستفاضة عن الاهتمام بمبادئ نشر الوعى والثقافة والفكر البناء لدى الجميع، تابعت تفاصيل حملة "أبو ظبى تقرأ" فوجدت فيها إصرارا على أن يقبل هذا المجتمع على مزيد من الإطلاع والمعرفة، ورأيت فى برنامج معرض أبو ظبى للكتاب كل سبل الحث على أن ينهل الجميع من بحر العلم والثقافة برؤية أفضل مئات المرات من روئيتنا لمعرض الكتاب المصرى، وأكثر ما حاز على إعجابى هو حضور فعالية لأكبر مسابقة شعر العربية الفصحى فى الوطن العربى، وتضم متسابقين من كل بلاد الدنيا لاختيار من يستحق الفوز بلقب "أمير الشعراء" من بينهم، هذه المسابقة دفعتنى للتأمل العميق، جعلتنى أقارن بينها وأهداف برامج المسابقات فى مصر، وجدت أننا فى مصر اتجهنا بقوة لسباق أفصل مغنى وأفضل راقصة، ولم نفكر يوما فى سباق أفضل مبدع أو أفضل مخترع أو حتى مجرد أفضل مفكر، مع كل الاحترام طبعا للمغنى وللراقصة، سمعت الشعر الذى ألقاه متسابقو الحلقة وتذوقت روعته، تابعت مستوى الاهتمام بأن يخرج كل متابعى الأمسية الشعرية بما يدفعهم للارتقاء بالذوق العام وتنمية حس الإبداع، وجدت لجنة التحكيم على أعلى درجة من التخصص والحيادية ولفت نظرى إلى أى درجة لا يمكن أن يخبز العيش غير خبازه، بخلاف مسابقاتنا التى يحدث كثيرا أن يجلس على منصة التحكيم من ليس لهم علاقة أصلا بموضوع السباق.
لست ضد الترفيه بالطبع لكنى ضد أن يتصدر الترفيه المشهد، ويكون لا صوت يعلو على صوته، تقاس حضارة الشعوب فى رأيى بمستوى ثقافتهم وتعاملهم مع المرأة والطفل والحيوان، وثبت لدى أن دولة الإمارات العربية الشقيقة لديها من خطط الثقافة ومبادئ احترام المرأة والطفل والحيوان ما يؤهلها لتكون الأولى عربيا، كم أتمنى وأحلم أن تصل مصر لنفس هذا النظام الاجتماعى، أعرف أن الطريق طويل أمامنا فى مصر، لكننا حتما سنصل لو مشينا فيه، كل ما نحتاجه فقط هو تنحية "الهرى" اليومى على مواقع التواصل الاجتماعى جانبا، وأن نسيطر على أوقاتنا بحيث لا تضيع جميعها هباء فى أمور لا تسمن ولا تغنى من جوع، نحتاج فقط أن نقر مبدأ وقت العمل للعمل ووقت الهرى للهرى وألا ننسى أننا لازلنا نفتخر بحضارة سبعة آلاف سنة صنعها أجدادنا دون أن نصنع نحن من يفتخر به أولادنا وأحفادنا فيما بعد!.
مشاركة
اضف تعليقاً واقرأ تعليقات القراء
مشاركة
لا توجد تعليقات على الخبر
تم أضافة تعليقك سوف يظهر بعد المراجعة