قل ما شئت عن انتشار الواسطة والمحسوبية. أو الاعتقاد بأن التخلص من هذه الأمراض ليس سهلا. لكنه ليس مستحيلا. والبداية فى كثير من الأحيان تبدأ من الاعتراف بالمشكلة، وتشخيصها بشكل جيد ومحايد، ومشكلتنا أننا نرفض الاعتراف بالمشكلة من كل أبعادها.
نحن نعانى من الواسطة والمحسوبية والفساد، وربما نرى كثيرين يطالبون الدولة والحكومة بأن تتخذ إجراءات، لكن ربما نحتاج أيضا لأن يعترف المجتمع بوجود الواسطة والمحسوبية وكارت التوصية، وأننا نفعل ذلك بشكل طبيعى ومن دون أن نشعر. لدينا حالة إنكار، وكل طرف لن يعترف أبدا بأنه جزء من المشكلة.
نحن فى حاجة لبعض التواضع، والقول بأننا نعانى من فساد متعمق الجذور، من أسفل لأعلى وأن الاعتراف بذلك من دون تزويق، ربما يكون البداية. لقد كان الرئيس يتحدث من أيام بكلمته الشهرية، وعرض أرقاما مفزعة لقضايا فساد، واعترف بأن لدينا جهازا إداريا وبيروقراطيا عاجزا وفاشلا. لكن المواجهة تبدأ بتشريح أسباب ذلك، مع تحديد طرق الحل وإعلانها، وهذه الحلول ستكون فى جزء منها دور الدولة، والقوانين والتشريعات وأيضا دور المجتمع، نحن فى حاجة للاعتراف بأن هناك حالة تواطؤ ورضا بهذا الواقع المريض، مع شعور باستحالة تغييره، واعتباره قضاءً وقدرا، أو. بينما هناك دول كانت تعانى مثلنا وربما أضعاف ما نعانيه ومع هذا تخلصت منه ودخلت على طريق التقدم.
سيقول البعض إن ضعف الرواتب والدخول يفتح باب الفساد، وهو أمر صحيح، لكن المفاجأة أن النسبة الأكبر للفساد فى مصر يقوم بها موظفون يطلق عليهم مستورين، أو دخولهم كبيرة. الأمر الثانى أنه لو كانت حجة الفاسد أن دخله ضعيف، فهو يغتنى ومع هذا لا يتوقف عن أكل المال العام. وهناك تصور لدى قطاعات كبيرة بأن الموطنين كل منهم يمد يده فى جيب أخيه المواطن، وأن هذا الوضع بدأ فى العقود الأخيرة، وأن المجتمع لم يكن هكذا. ونحن رأينا البلد أكثر نظافة ونظاما، وهدوءا، قد يبرر البعض الأمر بأنه بسبب أخلاق الزحام، لكنه يبقى تفسيرا ناقصا.
الحال لم يكن قدرا، ولكنه تراكم لعوامل سياسية واجتماعية واقتصادية وثقافية. وأن إمكانية الحل موجودة، بشرط الاعتراف بالمشكلة، وجود إرادة مجتمع، وعدم الاكتفاء بأن يسب كل واحد غيره، أو يتحدث بتعال كأنه خواجة. أو يردد كلمات «مافيش فايدة»، نفس هؤلاء كثيرا ما يتحدثون عن التغيير، وهم أول من يريد الهجرة وترك الجمل بما حمل. ستكون هناك فائدة عندما يعترف الجميع بأن الجميع مسؤولون.