فى تصريح فج قال وزير العدل السابق إنه ليس من حق ابن عامل النظافة أن يعمل ككاقض، و«كتر خيره إنه اتربى» وقد أيده فى هذا التصريح رئيس جنايات القاهرة الأسبق. بالطبع أثارت تصريحات السيد وزير العدل السابق حفيظة المواطنين، وطالبوا بإقالته، وبأن يعتذر. للناس الحق فى الغضب، لكن، لسبب ما ظهر سؤال خارج عن السياق يعكس أمراضا اجتماعية متغلغلة بيننا. فجأة، وبدون مقدمات، قرر البعض أن يسأل سؤالا: طب وأنت ترضى تجوز بنتك لابن عامل نظافة؟ لا أعلم الحقيقة ما محل السؤال من الإعراب. وحين استفهمت من السائلين، قال لى بعضهم، إنه يهدف بسؤاله إلى مواجهة المجتمع بحقيقته، وهو إنه مجتمع عنصرى، يحتقر ابن عامل النظافة، ويرفض أن يناسب عامل النظافة، وأن تصريحات وزير العدل ليست إلا انعكاسا لأمراض المجتمع العنصرى. البعض الآخر قال بإن وزير العدل لم يفعل سوى إنه تحدث بصراحة، وإن المدافعين عن حق ابن عامل النظافة فى العمل ككاقض إنما هم مجموعة من المنافقين.
لكن أحدا لم يتوقف عند السؤال ذاته: ترضى تجوز بنتك لابن زبال؟ السؤال يعكس عقلية متخلفة، ترغب فى كشف تخلف غيرها، دون أن تنتبه لتخلفها هى. ما حكم الإنسان على ابنته حتى «يزوجها» أو لا يزوجها؟ افتراض إن المواطن سيزوج ابنته يعنى شيئين: إما إنه سيفرض عليها الزواج فى سن صغيرة، وهى لم تبلغ الرشد بعد، وهذه جريمة. وإما أنه يتعامل مع ابنته بوصفها كم مهمل، ليس له رأى، ولا قرار، وإنه هو من يقوم بتزويجها بصرف النظر عن رأيها هى، واختيارها هى، وقرارها هى.
الذين طرحوا السؤال أرادوا أن يعكسوا تخلف المجتمع وعنصريته ورجعيته، فكان لهم ما أرادوا بمجرد أن طرحوا السؤال، ودخلوا هم فى منظومة التخلف والعنصرية والرجعية. إنسانة بالغ رشيد، لها رأى وقرار واختيار، لا يحق لوالدها، ولا لأخيها، ولا لكائن من كان أن «يزوجها»، وإنما هى تتزوج من تريد، كما تريد. لماذا لم يطرح أحد السؤال بهذه الصيغة: أنت تجوز ابنك لبنت زبال؟
هذه واحدة. الأخرى: ما علاقة الزواج بحق المواطن فى نيل درجته الوظيفية التى يستحقها؟
إنسان درس وذاكر واجتهد وتفوق، وتنطبق عليه الشروط الأخلاقية، من الأمانة والنزاهة والصدق، التى يحتاجها القاضى، له حق فى شغل منصب القاضى، بصرف النظر عن مهنة والده، وبصرف النظر إن كان سيقبل به بعض الأشخاص كزوج لابنتهم أم لا. يمكن للفتاة أن ترفض «عريسا» أنفه كبير، لكن هذا لا يعنى أن يحرم ذوى الأنوف الكبيرة من نيل حقوقهم الوظيفية. لكن السؤال كما قلنا يعكس عقلية مركبة فى التخلف، فكما يظن السائل إن البنت «تزوّج» كالبعير، فإنه يربط بين حق المواطن فى الدولة، وبين مفاهيم اجتماعية واختيارات شخصية خارج السياق، ومن يزدرى ابن عامل النظافة لإن والده يعمل بشرف لينفق على أبنائه ويعلمهم، فمن الطبيعى أن يتعامل مع نصف المجتمع معاملة المواشى والأبقار.
تم أضافة تعليقك سوف يظهر بعد المراجعة