كل من تعامل مع عالم السياسة يعرف زعامات الصوت العالى، ممن لا يملكون أى ميزة غير القدرة على المزايدة والتشنيع على منافسيهم. وعرفت التنظيمات اليسارية هذه النماذج كثيرا، كانت غالبا تتحكم فى هذه التنظيمات وتؤدى بها إلى العزلة، وتعلق فشلها فى شماعة أنها مطاردة ومرصودة يحاصرها أعداء من كل جانب.
وهذا النموذج يتصف بقدرة هائلة على صنع الضجيج، ويزايد على نفسه وغيره، وينتقى أكثر المواقف تطرفا ليتبناه، وغالبا يطرح اقتراحات يكون تنفيذها صعبا، وإذا عارضه قيادى أو سياسى يشن عليه هجوما ويتهمه بالضعف. ومن هؤلاء شخص كان مولعا باختراع قصص حول نفسه، أنه مطارد من أجهزة غامضة فى الداخل والخارج، وكان أحيانا يخترع أنه تم خطفه، وتهديده، وتركه فى الطريق، وهؤلاء الذين يخطفون صاحبنا كانوا فى البداية كائنات محلية، ومع الوقت أصبحوا من أجهزة مخابرات أجنبية تريد أن تعرف من صاحبنا أسرارا خطيرة، لم ننجح أبدا فى أن نعرف منها شيئا، حتى كانت مرة قال إنه تم خطفه من قبل كائنات غريبة، نزلت من طبق طائر وحصلوا منه على عينة دم.
ومع انتقاله إلى عالم الكائنات الفضائية، لم ينته صاحبنا فى مستشفى المجانين، لكنه توالد وتكاثر بحالته البارانوية. وبعضهم ما يزال يعيش بيننا وحولنا، بل إن هذه النماذج تنتشر بشكل أوسع مع أدوات التواصل التى تتيح لأى شخص أن يكتب أو يقول أى شىء، لا فرق هنا بين خبر وشائعة، أو بين رأى معلومة.
أمثال هؤلاء ظهروا خلال الفترة بعد 25 يناير واستغلوا أنه لم تكن هناك قيادات، والأحزاب عاجزة ومنزوعة الوجود، وتصدر بعض من هؤلاء عالم المزايدة، انضموا إلى السياسة على كبر، ولم تكن لديهم الكثير من الخبرات، لكنهم وجدوا من يصفق لأى كلام يطرحونه، ورأينا نشطاء تحولوا إلى إعلاميين، وهؤلاء تحولوا إلى نشطاء، مع الكثير من المتفرجين والكومبارس، ممن يرفضون دور الكومبارس، ويستسهلون العامة.
«كاميرات وأضواء ومصفقون» وجدنا أنفسنا أمام من كان يسميهم الكاتب الراحل الكبير أحمد بهاء الدين «الجهل النشيط». وأفرزت الفترة بعد يناير أنماطا من الزعماء يشبهون صاحبنا فى المزايدة ويهاجمون ويتهمنون غيرهم.
احتل بعض هؤلاء مواقع التواصل والفضاء لفترة وجذبوا وراءهم أعدادا كانت تؤمن على كلامهم، وتسير وراءهم باعتبارهم يعرفون، ومع الوقت اكتشفوا أنهم مجرد طبل أجوف. هناك أكاذيب وكذابون ومزايدون وفاشلون يشعرون بقيمتهم وهم يشتمون أو ينشرون أكاذيب حول أنفسهم وغيرهم، ونتوقع أن يصل هؤلاء إلى حالة صاحبنا، ويدخلون من مراجل الجهات الغامضة إلى حالة الكائنات الفضائية.