1 - بعضهم يريد للألتراس الحساب على المشاريب
تلك حقيقة يسهل أن تراها عين مجردة، أو حتى عين أصابها الغرض الكامن فى نفس صاحبها إرضاءا لهوى ما، أو خضوعا لمصلحة شخصية.
اخلع نظارتك إن كنت ترتدى واحدة، ونزه عينيك عن هوى نفسك إن كان بها مرض، لنقرأ معا حقيقة تقول: إن بعضهم يريد لروابط جماهير الألتراس وحدها أن تدفع الثمن كاملا.
بعضهم يريد للألتراس أن يدفعوا ثمن كونهم الجماعة المنظمة فى وطن يعانى من فوضى، وبعضهم الآخر يريد للألتراس أن يدفعوا ثمن حماسهم فى وطن يعانى من بطء العجزة والمحبطين والمرتعشين، وبعضهم الثالث يرغب فى أن يدفع الألتراس ثمن قوتهم فى وطن تعانى أغلب مؤسساته الحزبية
والرسمية من هشاشة فى الرؤية والتنظيم، وبعضهم الرابع يتمنى أن يدفع الألتراس ثمن انتمائهم فى وطن يعانى من بخل نخبته فى إثبات انتمائهم لتلك الأرض قولا وفعلا، وبعضهم الخامس يخطط لأن يدفع الألتراس ثمن اهتمامهم بالشأن العام فى وطن اعتادت كل فئة فيه أن تتمترس حول نفسها وتطلب لأهلها حصانة وتخلق لنفسها بنفسها دولة داخل الدولة، والأخطر أن بعضهم السادس يرسم للألتراس خريطة تشبه تلك التى رسمتها الدولة القديمة للإخوان، تحويلهم من كيان ظاهر إلى كيان محظور، من كيان فوق الأرض تستطيع أن ترقبه وتحاسبه عين الدولة وعين الجمهور إلى كيان تحت الأرض يعمل فى سرية ويحفر جحوره بيده، وهو يعلم أن باطن الأرض الممتلئ بالجحور ظاهره دائما غير مستقر.
كلهم فى الإعلام والسلطة والأمن يريدون من الألتراس أن يدفع ثمن أخطائهم، دون أن يطالبهم أحد بمقابل فشلهم فى إدارة شؤون الكرة على المستوى الرياضى والمالى والأمنى، واحتواء شباب الألتراس على المستوى السياسى والقانونى، وتأكيد ذلك فى حيثيات محكمة عابدين التى اتهمت الدولة بأنها تركت الألتراس فى مهب الريح دون حماية قانونية وأمنية واحتواء أخلاقى.
2 - تناقضات صورة الألتراس فى عيون الدولة
حسنا حان الوقت لتعلم أنه ليس فى الأمر أى شبهة تعليق على أحكام القضاء، بل هو تعليق على كيفية إدارة الأزمات فى هذا الوطن، التى تمر عليها الأزمات الواحدة فى ذيل الأخرى وهى تترك انطباعا عاما بأنه لا شىء أخطر على مصر من الفجوات التى تفصل أجهزتها الرسمية عن بعضها، وبالتبعية يعنى ذلك غياب لرؤية الدولة الشاملة تجاه قضايا مهمة مثل قضية الألتراس.
قضية الألتراس مثال حى وصارخ على غياب التكامل بين المؤسسات الرسمية المختلفة، بدليل أن قضية واحدة تنظر لها الدولة بأكثر من عين، وتتعامل معها بأكثر من تصور، وتمتد إليها أكثر من يد، يد بالعون، ويد بالاتهام، ويد بسكين حاد، ويد بتمويل مشبوه، ويد بالتحية، وبناء عليه تتوه القضية وتخسر الدولة معركتها، فلا هى نجحت فى تقويم الألتراس، ولا هى منعت آخرين من تحويله إلى مسخ مشوه جاهز للتحرك ضدها متى أراد الغير.
الفجوة بين مؤسسات الدولة فى التعامل مع بعض القضايا المهمة تبدو جلية كما قلنا فى قضية الألتراس، فهذه الروابط الجماهيرية بالنسبة للداخلية مجموعة من العصابات المنظمة، التى جرأت أن تهتف ضد حبيب العادلى وداخليته فى وقت كان الشعب المصرى يسير فى ظل الحيط.
وبالنسبة للإعلاميين خصوصا مقدمى البرامج الرياضية الألتراس هم بلطجية كرة القدم لا لشىء سوى لأنهم فضحوا أكاذيب وتطرف الإعلام الرياضى فى مصر.
أما القضاء فهوى يرى الألتراس من واقع حيثيات حكم حظرهم، بأنهم جماهير أفسدت الجو الكروى، وانتماءهم للنادى وليس للوطن، وحولوا كرة القدم من متنفس المصريين إلى عبء ثقيل، وأداة تستقطبها الجماعات الدينية.
بينما الرئيس عبدالفتاح السيسى فهو يرى الألتراس مجموعة رائعة من الشباب المصرى المتحمس الذى لم يجد من يحتويه أو يرشده، وأصدر بيانا يشكرهم على حسن صورتهم ومنهجهم بعد مبارة الأهلى فى نهائى الكونفدرالية، ونقل عنه وزير الشباب والرياضة خالد عبدالعزيز إعجابه الشديد بدخلات روابط الألتراس فى المباريات، لأنها تحتوى على إبداعات كبيرة من قبل الشباب، وقال الوزير إن الرئيس طلب منه التواصل مع شباب الألتراس؛ لتنفيذ الدخلات فى حفل افتتاح قناة السويس الجديدة، أمام العالم كله.
إذا يبدو المشهد معقدا بسبب اختلاف التصورات، وأيضا تبدو الفجوة واضحة بين ما يقوله الرئيس ويعتقده، وبين ما تمارسه أجهزة الدولة على أرض الواقع، وبين ما تحتاجه كرة القدم المصرية فى المدرجات، واستنادا إلى ما سبق تبقى جميع الحلول المطروحة بما فيها حكم الحظر الصادر من المحكمة مثل الحبر على ورق، لأن الدولة التى تفشل فى رسم صورة واحدة وواضحة ومتكاملة لقضية ما، مؤكد ستفشل أيضا فى حل لغز هذه القضية.
- الألتراس قرابين فى معبد الإعلام الرياضى والأحزاب السياسية
الأجمل فى الحيثيات التى أودعتها محكمة القاهرة للأمور المستعجلة بعابدين بحظر روابط الألتراس على مستوى الجمهورية ومن بينهما الـ«وايت نايتس»، أنها تصلح تماما لإدانة مقدمى البرامج الرياضية والإعلام عامة، المحكمة قالت إن الألتراس أفسدوا الأجواء الكروية، والفيديوهات والأرشيف الفضائى يثبت أن كل مشكلة فى الوسط الرياضى وكل خناقة رياضية كان وراءها تصفية حسابات من مذيع رياضى، أو تسخين للجمهور تجاه مبارة معينة أو حكم معين.
المحكمة تقول أيضًا إنها حظرت الألتراس لأن انتماءهم للنادى وليس للوطن، وكل الوقائع الساخنة فى الوسط الرياضى تثبت أن الفتنة تشتعل فى الملاعب بسبب انتماء اللاعبين الذين تحولوا إلى إعلاميين إلى أندية بعينها يخدمون مصالحها، حتى ولو على حساب استقرار الوطن.
المحكمة تقول إن الألتراس حولوا كرة القدم من متنفس للمصريين إلى عبء، والواقع يقول أن مقدمى البرامج الرياضية كانوا السباقين إلى ذلك بالخناقات الليلية التى اشتملت على جميع الألفاظ الخادشة للحياء، وكل أنواع الردح، وأدخلت الفتنة إلى المستطيل الأخضر.
المحكمة تقول إن الألتراس تم استقطابهم من قبل الجماعات الدينية، والشهور التى أعقبت ثورة 25 يناير تقول بأن أغلب مقدمى البرامج الرياضية كانوا يسبحون بحمد الإخوان وينافقونهم ويرفضون التظاهر ضد مرسى.
حسنا.. هل تركنا الكبار واجتمعنا جميعا لحساب الصغار الذين طالما مدحهم الإعلام الرياضى قبل أن تتغير بوصلته ويهاجمهم ويشيطن صورتهم إرضاء لداخلية حبيب العادلى فى زمن مبارك؟!
4 - نجيب محفوظ ينتصر للألتراس
فى عام 1954 جلس الأستاذان نجيب محفوظ والسيد بدير يكتبان سيناريو وحوار الفيلم الشهير «جعلونى مجرما»، ولعب دور البطولة فريد شوقى مع هدى سلطان ويحيى شاهين فى فيلم خالد بذاكرة السينما المصرية أخرجه عاطف سالم، ناقش قضية خطيرة عن تحويل برىء إلى مجرم، إما بسبب الظروف أو بسبب أفعال الآخرين.
منذ العام 2009 تقريبا جلس الأساتذة مقدمو البرامج الرياضية داخل استديوهاتهم المفتوحة لساعات طويلة دون رقابة ودون حساب، ودون معايير مهنية يكتبون سيناريو تجريم الألتراس ووصفهم بالعنف والفوضى والعمالة والخيانة من أجل إرضاء وزارة داخلية حبيب العادلى التى دخلت مباراة فى العند مع شباب الألتراس بسبب عمليات التفتيش غير الآدمية للشباب، حتى تصاعدت العداوة رويدا رويدا وأصبح العنف متبادلا بين الألتراس ورجال الأمن.
جعلوهم مجرمين، هكذا أرادوا أن يراهم الناس، هكذا فعل أساتذة الإعلام الرياضى، خلقوا صورة مزيفة لمجموعة من الشباب المحبين لكرة القدم، قدموهم للمجتمع فى صورة البلطجية والفوضويين، وناشرى العنف، بينما هم فى أصل الحدوتة مجموعة أصدقاء اعتادوا اللقاء فى أركان مدرجات الدرجة الثالثة، ولكنهم قرروا أن يخرجوا من جلباب المجتمع المصرى ويصنعوا بأنفسهم ولأنفسهم أول كيان منظم داخل هذه الأرض التى لا تعرف النظام.
لا تقل بأنهم فوضويون وأنهم سبب المشاكل والمعارك التى شهدتها البلاد، بل قل فشلت الدولة فى التعامل معهم لأنها لا تملك لهم رؤية موحدة، هل تصدق أن كيانا يقدر على توحيد هتاف مئات الآلاف فى بلد يفشل أهل السياسة فيه فى توحيد هتاف العشرات، من الممكن أن يكون كيانا للبلطجة؟! إنهم يملكون الإخلاص الذى نبحث عنه فى قلوب أهل السياسة تجاه أحزابهم وأفكارهم وهذا الوطن، ولا نجده، ومن يملك كل هذه القدرة على التضحية بالمال والجهد والنفس من أجل فكرة، حتى لو كانت ناديا رياضيا، فمن المؤكد أنه يملك أضعافها من أجل وطن.. فقط افتحوا لهم باب الوطن، أو اطلبوا من سلطة هذا الوطن أن تنظر لهم بنظارة واحدة لا تشوبها المصلحة ولا تعكر رؤيتها رغبة فى الانتقام.
تم أضافة تعليقك سوف يظهر بعد المراجعة