للمرة الثانية خلال عامين يصدر حكم من القضاء الإدارى يلزم الحكومة بحجب المواقع الإباحية من الإنترنت. بالرغم من استحالة تحقيق ذلك عمليا. ومع افتراض حسن نية رافع الدعوى ورغبته فى حماية الشباب والنشء من تصفح مواقع غير مرغوب فيها، فقد أثبتت التجارب لدى الدول الأكثر محافظة أن محاولات حجب المواقع تكلف الدولة كثيرا، وتعجز عن تحقيق المراد، لأن برامج الحجب مهما كانت قوتها تواجهها برامج أخرى رخيصة أو مجانية تفتح المواقع.
ولو راجع هؤلاء الذين يطلبون حجب المواقع تجارب الدول التى تمارس الحجب لاكتشفوا أن مواطنى هذه الدول من أكثر الباحثين والراغبين، بل والقادرين على تصفح وتعاطى هذه المواقع، على طريقة الممنوع مرغوب، وأيضا لأن الحجب هو نفسه ينشط غدد الكسر والوصول إلى المواد المحظورة.
ثم إن الدول التى تسعى لحجب المواقع الإباحية، غالبا تسعى أيضا لحجب المواقع السياسية، ومع هذا تفشل فى فرض الرقابة أو الحجب. لأن مواقع التواصل أصبحت أدوات إعلام سهلة وبسيطة، تحتوى الأخبار والحقائق والشائعات والمواد المشهية والمسلية، يضاف لذلك أن الدول التى تبذل الكثير من أجل فرض قواعد أخلاقية أو متطرفة غالبا ما تكون مجالا خصبا للإباحية، بل الشذوذ أيضا، ولعل الإحصاءات المتاحة تقدم وصفا تفصيليا لحجم الدخول من هذه الدول ومواطنيها بحثا عن الإباحية بكل أشكالها وصورها.
النتيجة أن حجب أو منع هو أمر مستحيل، خاصة أن الدول التى تحاول فرض الحظر ليست منتجة لهذا الأمر وإدارة وقواعد هذه المواقع فى دول أخرى، فضلا عن أدواتها، يضاف إلى ذلك أن المواقع الإباحية تتقدم باقى المواقع الأخرى الإخبارية أو العلمية، ثم إنها صناعة يتم الإنفاق عليها وتجلب لأصحابها إعلانات وأرباح، الأمر الذى يجعل هذه المواقع هو نفسها تقدم برامج لكسر الرقابة والحظر.
وربما لو أنفقت هذه الدول ما تنفقه على الحجب لإتاحة فرص الزواج للشباب أو برامج ترفيهية وعلمية شيقة، فضلا عن برامج تربوية، يمكن أن توفر ملايين وتضمن لأبنائها نتائج أفضل، لكن المفارقة أن الدول التى تفكر كثيرا فى فرض قيود وتابوهات هى نفسها تعانى من كبت أشد من الدول التى تنتج هذه المواد وتتيحها، ولو راجعنا ترتيب المواقع حسب الإقبال والتصفح، نكتشف أن المواقع الإباحية تحتل ترتيبا متقدما فى الدول العربية والإسلامية، بينما تتراجع المواقع العلمية والمشوقة، بينما تتقدم المواقع الأكثر تشويقا وعلمية فى الدول المتهمة بترويج الإباحية. وهى مفارقات لا يتأملها هؤلاء الذين يسعون للحظر المستحيل، لأنهم لا يعرفون أن الإباحية فى الرأس، وليست فى المواقع.