المثير فى حكم حجب المواقع الإباحية أن أغلب - إن لم يكن كل - مستخدمى الإنترنت يعرفون استحالة تطبيق الحجب. ببساطة لأن مصدره ليس ملكنا، ولا يمكن التحكم فيه، وحتى الدول التى تستضيف المواقع يصعب عليها تطبيق الحجب، ناهيك عن كون هذه الصناعة لديها إمكانات تجعلها قادرة على الوصول إلى كل مكان ومقاومة الحجب. وما ينطبق على المواقع الإباحية ينطبق على المواقع السياسية أو تلك التى تمثل ازعاجا، فضلا عن كون نظام الجروبات المغلقة يجعل من الصعب على أى سلطة التدخل فى هذا. بل وحتى التنظيمات الإرهابية والإجرامية التى تستخدم المواقع لممارسة النصب والجريمة المنظمة. وهى مواقع يصعب متابعتها من دون برامج معقدة وتكنولوجيا مكلفة. ونتيجتها ليست مؤكدة. وهذه العوامل تجعل من الصعب الادعاء بوجود إمكانية لمنع حرية الرأى والتعبير بشكل مطلق.
التجارب تؤكد فشل كل طرق الحجب، لكن الأكثر إثارة أن الدول التى تبالغ فى الحديث عن الحجب والأخلاق هى الأكثر استعمالا لهذه المواقع، وكما قلنا فإن كل أبحاث وإحصاءات جوجل والبحث تكشف أن الدول العربية والإسلامية هى الأكثر بحثا عن المواد الإباحية على شبكة الإنترنت، والأهم مثلا أن نسبة التحرش والجرائم الجنسية تتزايد ولا تنخفض بالرغم من أنه نظريا هذه الدول تمتلك أكبر أعداد من دور العبادة والخطباء والدعاة من كل الأنواع والأشكال.
وهى أبحاث وإحصائيات تكشف عن الفصام والازدواجية بين خطاب شديد المحافظة فى الشكل لكنه شديد التحرر خلف الأسوار، ولدينا أمثلة لمن يمتهنون مهن الدعاية والدعوة وهم الأكثر استخداما لتبريرات ومخارج وأعذار لتحليل ما هو محرم أحيانا ويستخدمون سلطتهم للضغط على الضحايا واستغلالهم، وربما لهذا بعضهم يدافع عن أحاديث ضعيفة تبرر الاستغلال. وهؤلاء أيضا فقدوا الكثير من الهالة التى صنعوها حول أنفسهم، بفعل أدوات التواصل التى بدأوا بتحريمها ثم سرعان ما حللوها واستغلوها.
وبالعودة لفكرة الحظر وكما قلنا فإن هؤلاء الذين يزعمون الدفاع عن الأخلاق على الإنترنت، ربما لو بذلوا جهدا فى دعم مبادرات تزويج الشباب ومنحهم إعانات أو حتى قروض ميسرة للزواج، يدافعون عن الفضائل أكثر مما يفعلون الآن بمحاولات حجب ما لا يمكن حجبه.
طبعا من الصعب على كثيرين الاعتراف بهذه الازدواجية والادعاءات الفارغة، التى تجعل الحديث كثيرا حول الأخلاق أضعاف الناتج الفعلى والعملى، وهناك من ينكر ذلك ويدعو إلى الحجب والرقابة، بينما هم غارقون فى عكس ما يدعون إليه، وهذا النفاق العام هو ما يجعل المجتمع خلف الجدران وغيره أمام الشاشات والمحاكم.