القضاء مستقل، أو هكذا يجب أن يكون، أو نحارب لكى يكون، لا دولة بدون قضاة مستقلين، ولا عدالة ناجزة مطمئنة بدون منصات إطلاق أحكام لا يتدخل فى شؤونها أحد.. نردد ذلك ليل نهار، ويصرخ به بعض القضاة، وتصرح به الدولة، ويمرره العقلاء ورجال الدين كواجب شرعى لا مفر من تطبيقه واحترامه، ومع ذلك لم يأت هذا الإجماع بثماره؟ وفى ذلك ثلاثة تفسيرات:
1 - لا استقلال حقيقى للقضاء وهناك من يتدخل فى شؤونه.
2 - التعريف الذى نملكه عن فكرة «استقلال» القضاء مرتبك وفى حاجة إلى إعادة تعريف.
3 - المفهوم أو التعريف الذى نملكه عن استقلال القضاء جيد ولكننا ننفذه بشكل خاطئ أو يغلب على تنفيذه هوى بعض الأنفس.
ما شهدته الفترة الأخيرة من أحكام قضائية مهمة ينفى التفسير الأول، لأن بعض الأحكام جاء فى عكس صالح السلطة على مستوى القرار والتوقيت، ولهذا يبدو التفسيران الثانى والثالث أكثر منطقية وقربا من الواقع الذى تقول كل ممارساته إن البعض من نخبة الوطن وقضاته روجوا لمفهوم استقلال القضاء بشكل غير مكتمل، واستكملت مؤسسات الدولة القضائية والإعلامية والإدارية المشكلة بتطبيق مفهوم استقلال القضاء بشكل خاطئ، ونتج عن ذلك فصل للمجتمع القضائى عن المجتمع والدولة لا استقلال فى قراره عن ضغوط الرأى العام والدولة.. وهنا تكمن المشكلة.
استقلال القضاء كمفهوم يهدف إلى أن يكون قرار القاضى نابعا مما بين يده من أوراق وتحريات دون أى تأثر بضغوط إعلامية أو توجهات شعبية أو تعليمات من السلطة، وهذا ما يجب أن يكون، ولكنه لم يكن لأن الكل سقط فى فخ الانتقال من الاستقلال إلى الانفصال، وساهم الجميع فى الترويج لفكرة استقلال القضاء وكأن مؤسسة القضاء فى برج عال محصنة، منفصلة، مجتمع صغير داخل مجتمع أكبر، وبالتالى حينما يصدر حكمه فهو لا ينظر إلى ما يحيط بالمجتمع الأكبر من ظروف سياسية واجتماعية وبيئية.
ولكى تتضح الصورة أكثر عليك بنظرة إلى المعجم الرائد الذى يفرق ما بين أمرين فى تعريفه لمعنى الاستقلال، الأول فى عبارة «استقل بالأمر» التى تعنى انفرد بتدبيره وهذا ما كنا نريده أن يكون مفهوما لاستقلال القضاء، أن يستقل فى تدبير أموره وقرارته، لا أن ينفصل بها عن المجتمع، والأمر الثانى فى عبارة «استقل برأيه» أى استبد به ولم يشرك فيه غيره، فأصبح قراره منفصلا يقارب الاستبداد لا يعنى بمن حوله وظروف من حوله لا قرار مستقلا يتفاعل مع مجتمعه، ولكنه لا يسمح له بالتدخل فيه.
ولمزيد من التوضيح انظر الصورة الآتية: فى الوطن الذى يغضب مذيعوه ومثقفوه وأهل نخبته ورجال حكومته من حكام مباريات كرة القدم لأنهم يطبقون القانون بحذافيره ويفسدون المباريات المهمة بالقرارات القاسية التى لا تضع فى حسبانها ظروف البيئة المحيطة ويدعون حكام المباريات لتطبيق روح القانون، يقف نفس الشخوص بوجوه مكشوفة ساخرين ورافضين ومتهمين كل من اندهش من قرارات قضائية فى الفترة الأخيرة بأنهم جهلة بالقانون ويسعون لنشر الفوضى، ويتدخلون فى شؤون القضاء ويهدفون إلى زعزعة استقلاله، رغم أن كتب القانون تتضمن معانى كثيرة تقول بأنه لو تفهم القاضى للواقع السياسى والاقتصادى والاجتماعى لزمن صدور الحكم ووضع ذلك فى اعتباره قبل إصدار أى حكم قضائى لنجح القاضى فى القضاء على كثير من العوارض والآثار الجانبية والأزمات فى مهدها.
مشاركة
اضف تعليقاً واقرأ تعليقات القراء
مشاركة
اضف تعليق
تم أضافة تعليقك سوف يظهر بعد المراجعة
عدد الردود 0
بواسطة:
الشعب الاصيل
الملافظ سعد كما يقولون ولكن .. حمارمن يزعزع ثوابت الدين ويقف ضد الحقيقه والتاريخ ويعترض طريق الطوفان
بدون
عدد الردود 0
بواسطة:
مختار صبري
الحل فى نظام المحلفين